فإن اعتُرض معترض بالقول: قد وُصِفَ بهذا الوصف النبي - ﷺ - في سورة الحاقة وبالصيغة ذاتها، ولمّا يكن متمرساً على الرسالة -بعد-، فلا يستقيم هذا الاستنباط.
فالجواب: لا نسلم أنه لم يكن متمرساً، إذ ما غشيه من تهيئة لتبليغ الرسالة، قائم مقام ذلك، وسيأتي من هذه التهيئة ما يجلي ذا المعنى (١).
ويقال تنزلاً: هناك فرق بين جبريل - عليه السلام - والنبي - ﷺ - من حيث قيام القرينة الحالية في كلٍ على هذا التمرس أو عدمه.
ومن أجل هذا التمرس يعهد لجبريل - عليه السلام - بالمهمات الجليلة، ومنها -بعد الوحي- نقل النبي - ﷺ - في عالم السماء ليلة الإسراء: فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله - ﷺ - قال: (فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل - عليه السلام - ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئت إلى السماء الدنيا، قال جبريل - عليه السلام - لخازن السماء: افتح. قال: من هذا ؟ قال: هذا جبريل - عليه السلام - قال: هل معك أحد ؟ قال: نعم! معي محمد - ﷺ - فقال: أرسل إليه ؟. قال: نعم. فلما فتح علونا السماء الدنيا... ) الحديث (٢).
٨) حكيم عليم: كما قال - سبحانه وتعالى - :﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ "النمل /٦"؛ إذ الأكثر على أنها في نعت جبريل - عليه السلام - فالمعلم المُلْقِي لا يلقي شيئاً إلا بعلمه، وليس دوره دوراً آلياً في النقل، بل يعلمه من حيث الجملة والتفصيل، ويعلمه من حيث الأداء، وأصل اللفظ، كما يتسم بالحكمة التي بها يضع الأمور في مواضعها، ومن ذاك وقت تعليم الألفاظ ومكانه.

(١) انظر: الفصل الثاني –المبحث الأول.
(٢) صحيح البخاري ١/٣٠٠، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon