وبعد : فلا إشكال ولا لبس في حدوث عملية الوحي بين عالم الملائكة متمثلاً بجبريل - عليه السلام - وبين عالم البشر متمثلاً بالنبي - ﷺ - حتى تتلقف من قبل بعض الألسنة بالغمز أو اللمز... تلك كانت شنشنة المستكبرين من قبل إذ قالوا ﴿ أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي ﴾ "ص/٨"... فلقد رأينا في عصرنا صوراً من الوحي الخفي الذي يقع بين الناس بعد أن يتوافر فيه شرطان: وسيلة الإرسال المناسبة، ووسيلة الاستقبال الخاصة... فترى شخصاً في قرية أو مجتمع يتلقى المعلومات من شخص آخر بعيد، يملك جهاز الإرسال المناسب، فيسمعه بأدق ما يكون السماع... ومن لا يملك جهاز الاستقبال بجواره لا يسمع شيئاً... بل يتعدى الأمر من السماع إلى الرؤية، فبواسطة الهاتف المرئي تستطيع أن تسمع بجهازك كما تستطيع أن ترى لكلام وصورة تبعد عنك آلاف الأميال وتحادثها... فالشرط هو وجود جهاز الإرسال والاستقبال... فإذا كان هذا صنع الإنسان، وهو ما يزال يعد بالمزيد مستقبلاً... فإن الذهن يتقبل بتلقائية شديدة أن يكون خالق الإنسان قد زود المصطفين من رسله من الملائكة ومن الناس بما يمكنهم من الاتصال المباشر... وقد تقدمت مظاهر الإعداد الإلهي لجبريل - عليه السلام - في الفصل الأول ليكون أمين وحي الله - عز وجل -، كما سبقت آنفاً مظاهر من التهيئة الإلهية الخاصة للنبي الكريم - ﷺ - فهي لمحات تبين أن الاتصال بين المستويين الفيزيائيَين لعالمي الملائكة والبشر أيسر –حتى- من الاتصال بين البشر والبشر.