وعلى هذا فإن النبي - ﷺ - كان يرى جبريل - عليه السلام - رؤيا حقيقية، لكنها رؤيا فؤاد كما أن العين ترى ضوءاً فترسل إشاراتها الضوئية إلى المخ فيتم وعيها في المخ... فهل كانت رؤية النبي - ﷺ - لجبريل - عليه السلام - تصل مباشرة إلى مركز الإبصار في المخ، كما أن استماعه لقراءته يصل إلى مركز السمع في المخ... والمخ متصل بالمركز العقلي المتحكم المسمى بالفؤاد... ؟ قد يكون الأمر كذلك؛ إذ لو كانت رؤيا جارحة لرآها كل من له الجارحة ذاتها ممن يكون موجوداً مع الرسول - ﷺ - في مكان تلقي الوحي، وقد يقال باختلاف جارحة النبي - ﷺ - عن جارحة غيره، ولذا تمت تهيئته - ﷺ - لتلقي الوحي القرآني كما سبق في الفصل الثاني، ويُقَرِّبُ هذا: أننا نعلم أن الحيوانات تشترك في جارحة السمع والبصر مع تفاوتها في دقتهما، ومدى تركيزهما... ولكن ذكر الفؤاد (١)

(١) ويزيد الأمر جلاء ظهور الفرق بين ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ "النجم/١١"، و ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ "النجم/١٧" إذ الأولى لرؤية النبي - ﷺ - لجبريل - عليه السلام - عند نزوله بالوحي عليه بصفة دائمة، والثانية لرؤيته له عياناً في خلقته الأصلية في المرة الثانية من المرتين اللتين شاهد فيهما الرسول - ﷺ - جبريل - عليه السلام - في خلقته الأصلية... هذا إن جُعلت كلمة البصر واردة في معناها الحقيقي المباشر وهو الجارحة المعروفة، وهو الظاهر، كما أنه الذي يدل عليه السياق... ويحتمل أن يكون المراد مركز البصر في الدماغ أو الفؤاد... وعلى كلا الاحتمالين فإن ذكر الفؤاد في الآية الأولى مع علمنا أنه لم يكن الصحابة يشاهدون جبريل - عليه السلام - إن جاء في الصورة الشديدة للوحي... يؤكد أن الاتصال كان بالمركز الأصلي المباشر للإدراك عند النبي - ﷺ -... والأمر –بعد- بحاجة لمزيد تفصيل... لعله يكون في طبعات قادمة –إن شاء الله تعالى-.


الصفحة التالية
Icon