والكناية مشتقة من الستر، يقال: "كنيت الشيء إذا سترته" وأجري هذا الحكم في الألفاظ التي يستر فيها المجاز بالحقيقة، فتكون دالة على الساتر وعلى المستور معا.
ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿ أَو لَامَستُمُ النِّسَاء ﴾ فإنه إن حمل على الجماع كان كناية، لأنه ستر الجماع بلفظ اللمس الذي حقيقته مصافحة الجسد الجسد، وإن حمل على الملامسة التي هي مصافحة الجسد الجسد كان حقيقة، ولم يكن كناية وكلاهما يتم به المعنى(١).
وكقوله تعالى: ﴿ أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ كنى عن النساء بأنهن ينشأن في الترفه والتزين الشاغل عن النظر في الأمور ودقيق المعاني، ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك والمراد نفي ذلك عن الملائكة.
ومنها الكناية عن الجماع بالملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والدخول والسر في قوله ﴿ وَلَكِن لَا تُوُاعِدُوهُنَّ سِرَّا ﴾ والغشيان في قوله: ﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ﴾ (٢).
الوصف الجامع بين طرفي الكناية:
ولا بد من الوصف لجامع بين طرفي الكناية، لئلا يلحق بالكناية ما ليس منها.
ومن أجل ذلك لم يلتفت إلى تأويل من تأول قوله تعالى: ﴿ وثيابك فطهر ﴾ أنه أراد بالثياب القلب على حكم الكناية، لأنه ليس بين الثياب والقلب وصف جامع، ولو كان بينهما وصف جامع لكان التأويل صحيحا(٣).
الفرق بين الكناية والتعريض:
التعريض هو: الدلالة على المعنى من طريق المفهوم.
وسمي تعريضا لأن المعنى باعتباره يفهم من عرض اللفظ أي من جانبه، ويسمى التلويح؛ لأن المتكلم يلوح منه للسامع ما يريده كقوله تعالى: ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴾ لأن غرضه بقوله ﴿ فاسألوهم ﴾ الاستهزاء وإقامة الحجة عليهم بما عرض لهم به من عجز كبير الأصنام عن الفعل مستدلا على ذلك بعدم إجابتهم إذا سئلوا.
(٢) روض البيان ١٤.
(٣) المثل السائر ٢/١٨٣