فليست فضيلة قولنا: "رأيت أسداً" على قولنا: "رأيت رجلاً" هو والأسد سواء في الشجاعة أن الأول أفاد زيادة في مساواته للأسد في الشجاعة لم يفده الثاني، بل هي أن الأول أفاد تأكيداً لإثبات تلك المساواة له لم يفده الثاني.
وليست فضيلة قولنا: "كثير الرماد" على قولنا: "كثير القرى" أن الأول أفاد زيادة لقراه لم يفدها الثاني، بل هي أن الأول أفاد تأكيداً لإثبات كثرة القرى له لم يفده ا لثاني.
والسبب في ذلك أن الانتقال في الجميع من الملزوم إلى اللازم فيكون إثبات المعنى به كدعوى الشيء ببينة، ولا شك أن دعوى الشيء ببينة أبلغ في إثباته من دعواه بلا بينة(١).
الفصل الثاني
الفرق بين الإثبات بالاسم والفعل والمعرفة والنكرة
المبحث الأول: الفرق بين الإثبات بالاسم و الإثبات بالفعل:
الجملة الاسمية هي ما تركبت من مبتدأ وخبر، وهي تفيد ثبوت شيء لشيء ليس غير بدون نظر إلى تجدد ولا استمرار، لأن الاسم له دلالة على الحقيقة دون زمانها.
نحو: زيد منطلق، فلا يستفاد من هذه الجملة إلا إسناد الانطلاق إلى زيد كما يشعر الاسم ثبوت المعنى ودوامه دون انقضائه بوقت معين.
والجملة الفعلية ما تركبت من فعل وفاعل، أو من فعل ونائب فاعل، وتفيد التجدد والحدوث في زمن معين؛ لأن الفعل له دلالة على الحقيقة وزمانها.
وعليه إن كان الغرض من الإخبار الإثبات المطلق غير المشعر بزمان وجب أن يكون الإخبار بالاسم كقوله تعالى: ﴿ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ﴾ [الكهف: ١٨]
فليس الغرض إلا إثبات البسط للكلب، فأما تعريف زمان ذلك فغير مقصود.
كما يشعر الاسم بثبوت صفة البسط بخلاف ما لو قال: (يبسط) فإنه يؤذن حينئذ بمزاولة الكلب للبسط وأنه يحدث له شيئا فشيئا(٢).
(٢) روض البيان ١٤