وأما إذا كان الغرض من الإخبار الإشعار بزمان ذلك الثبوت فالصالح له هو الفعل كقوله تعالى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ فإن تمام المقصود لا يحصل بمجرد كونه معطيا للرزق بل بكونه معطيا للرزق في كل حين وأوان(١).
وربما كان الأمر لم يحدث بعد ومع ذلك يؤتى بالصيغة الاسمية للدلالة على أن الأمر بمنزلة الحاصل المستقر الثابت كقوله تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة].
فهو لم يجعله بعد ولكن ذكره بصيغة اسم الفاعل للدلالة على أن الأمر حاصل لا محالة، فكأنه تم واستقر وثبت.
ومثله قوله تعالى لنوح: ﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ﴾ [هود٣٧]
فلم يقل: سأغرقهم، ولكنه أخرجه مخرج الأمر الثابت، أي كأن الأمر استقر وانتهى.
ومثله قوله تعالى في قوم لوط: ﴿ وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ [العنكبوت٣١](٢).
هذا وقد استعمل القرآن الفعل والاسم استعمالا فنيا من ذلك:
١- قوله تعالى: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [الأنعام٩٥]
فاستعمل الفعل "يخرج" مع الحي لأن أبرز صفات الحي الحركة والتجدد فجاء بالصيغة الفعلية الدالة على الحركة والتجدد.
واستعمل الاسم "مخرج" مع الميت؛ لأن الميت في حالة همود وسكون وثبات، فجاء بالاسم الدال على الثبات.
(٢) التعبير القرآني ٢٢