وإذا كان تنكير "حياة" في الآية السابقة للتحقير، فإن تنكيرها في آية أخرى كان للتكريم والتشريف وهي قوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: ٩٧]
لأن السياق في الثناء على المؤمن الصالح، وفي وعد إلهي متحقق بأن يجعله يعيش في الدنيا "حياة طيبة".
ومما يدل على تشريف هذه الحياة وصفها بأنها "طيبة" لأن صاحبها يحياها ويعيشها في طاعة الله.
وفي موضع ثالث جاء تنكير "حياة" للتعظيم، قال تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: ١٧٩].
يخبر الله تعالى المؤمنين أنهم عندما يقتصون من القاتل المتعمد الذي يقتل المسلم بغير حق، فإنهم بذلك يحققون حياة عظيمة لهم قائمة على المودة والسلام.
وتنكير "حياة" أفاد العموم، أي حياة عامة في دلالتها وشمولها لكل وصف من أوصاف الحياة اللطيفة الطيبة.
ولو عرفت الكلمة فقيل: "ولكم في القصاص الحياة" لأفضى تعريفها إلى لبس، حيث قد يدل التعريف على أن الحياة من أصلها يستفيدونها من القصاص، فإذا لم يكن هناك قصاص فلا حياة أصلاً.
فتنكير "حياة" أزال هذا الإبهام واللبس وألقى بظلال التعظيم والشمول والعموم للحياة الكريمة المتحققة من القصاص(١).
وعرفت "الحياة" بـ"ألـ" التعريف ووصفتها بأنها "الحياة الدنيا" وحصرتها بأنها قائمة على اللهو واللعب قال تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: ٦٤].

(١) إعجاز القرآن البياني ٢٣١، وانظر دلائل الإعجاز ٢٢٣


الصفحة التالية
Icon