فالتعريف هنا للتخصيص، لأنها محصورة باللهو واللعب، وهكذا الدنيا سرعان ما تنتهي، كما يلعب الأولاد ساعة من النهار، أما الدار الآخرة فهي ليست "حياة" فقط، وليست الحياة الطيبة فقط، وإنما هي في الآية "الحيوان"(١) وفي بناء الحيوان زيادة معنى ليس في بناء الحياة، وهي ما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب، والحياة حركة كما أن الموت سكون، فمجيئه على بناء دال على معنى الحركة مبالغة في معنى الحياة، ولذلك اختيرت على الحياة في هذا الموضع المقتضى للمبالغة(٢).
ومن هذا الباب كذلك قوله تعال: ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الصافات: ١٠٩] ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ﴾ [مريم: ١٥] ﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: ٧٩].
فقد نكر السلام في المواطن الثلاثة تحية من الله تعالى، وسلام ما من جهة الله مغن عن كل تحية، كما قال الشاعر:
قليل منك يكفيني ولكن قليلك لا يقال له قليل
وليس كذلك سلام عيسى عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ﴾ [مريم: ٣٣] فالسلام هنا ليس واردا على جهة التحية من الله تعالى، وإنما هو حاصل من جهة نفسه، فلا جرم جيء بلام التعريف، إشعاراً بذكر الله تعالى، لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى، وفيه تعرض لطلب السلامة، وهكذا كل اسم من أسمائه سبحانه ناديته به فأنت متعرض لما اشتق من ذلك الاسم، فتقول في طلب الحاجة: "يا كريم" وفي سؤال المغفرة: "يا عفو، يا غفور" لما كان ذلك مناسبا ملائما لما أنت فيه، فلهذا أورده باللام.
زد على ذلك أنه يشعر بعموم التحية وإطلاقها، وأنها غير مقصورة على المتكلم صدورها، إذ التقدير في قولك: "سلام عليك": سلام مني إليك(٣).
(٢) الكشاف ٣/٤٦٣
(٣) التبيان في علم البيان ٥٥، والطراز٢١١