الأول: أن الله أنزل القرآن لبيان الأحكام لا ليكون حجة على الخلق، والعرب إنما لم يعارضوه لأن الله تعالى صرفهم عن ذلك وسلب علومهم.
وهذا فاسد من وجوه منها:
لو كانوا قادرين لما كانوا مستعظمين لفصاحة القرآن بل يجب أن يكون تعجبهم من تعذر ذلك عليهم بعد أن كانوا قادرين على معارضة القرآن، والواقع أن تعجب العرب كان من فصاحة القرآن.
لو كان كلامهم مقاربا في الفصاحة قبل التحدي لفصاحة القرآن لوجب أن يعارضوه بذلك ولكن الفرق بيّن بي كلامهم بعد التحدي وكلامهم قبله وبين القرآن وكلامهم بعد التحدي، ولما لم يكن ذلك كذلك بطل ذلك.
الثاني: أن أسلوب القرآن مخالف لأسلوب الشعر والخطب والرسائل.
وهذا باطل من وجوه:
لو كان الابتداء بالأسلوب معجزا لكان الابتداء بأسلوب الشعر معجزا.
الابتداء بأسلوب لا يمنع الغير من الإتيان بمثله.
يلزم أن ما قاله مسيلمة نحو: "إنا أعطيناك الجماهر فصل لربك وجاهر" في أعلى مراتب الفصاحة.
الثالث: أنه ليس في القرآن اختلاف وتناقض.
وهذا باطل لأن التحدي وقع بسورة كذلك، وقد يوجد الإعجاز في خطبهم مقدار سورة الكوثر، ولا يكون فيه اختلاف وتناقض.
الرابع: أن القرآن اشتمل على المغيبات.
ويرده أن التحدي قد وقع بكل سورة، والإخبار بالغيب لم يكن في كل سورة.
الخامس: الفصاحة، وهي الأمر المعقول الذي يصح التحدي به، بعد بطلان المذاهب السابقة.
(٢)
في شرف علم الفصاحة:
لمّا ثبت أن عجز العرب إنما كان عن المزايا التي ظهرت لهم في نظم القرآن، وجب على العاقل أن يبحث عن تلك المزايا والبدائع: ما هي، وكم هي، وكيف هي؟.
وإذا ثبت ذلك كان العلم الباحث عن حقيقة الفصاحة وماهيتها وأقسامها وأحكامها باحثا عن أشرف المطالب الدينية، وهو البحث عن جهة دلالة القرآن على صدق محمد- ﷺ -، ويكون صاحبه مترقيا من حضيض التقليد على أوج التحقيق(١).

(١) انظر نهاية الإيجاز ٢٦وما بعدها


الصفحة التالية
Icon