وقال سبحانه وتعالى: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: ١٢٨] فالإشارة دائماً إلى الإسلام عند ذكر إبراهيم عليه السلام؛ لأن القضية قضية إسلام كامل لله، والله قال: وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [الأعراف: ١٢٦]. والذي يظهر أن (من) هنا تبعيضية، وأن إبراهيم يعلم أن من ذريته من لن يكون مسلماً، ومحال أن يكون جميع ذريته مسلمين، خاصة أنه في عصر متقدم. ولهذا قالوا: إن بعض الأدعية لا يحسن كل أحد أن يقولها، فمثلاً: إبراهيم عليه السلام قد علم بالوحي أن من ذريته من سيكون كافراً؛ لأنه قال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: ١٢٤] فهذا إشعار أن هناك ظالمين سيكونون من ذريته. فعندما ذكر الله جل وعلا في سورة إبراهيم دعاء إبراهيم: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم: ٤٠] فهذا لا يحسن أن يقوله أي أحد؛ لأن قوله: (ومن ذريتي) بعضية، فإبراهيم علم من الله أن ليس كل ذريته سيصلي، ولكن نحن لم نعلم هذا من ربنا، هذا إذا قلنا: إن (من) هنا تبعيضية. أما إذا قلنا: إن (من) بيانية أو زائدة للتأكيد فالأمر واسع. لكن نقول: إن الاستسلام لله جل وعلا هو دين إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: ١٣١-١٣٢] والأمة المسلمة تدخل فيها، قال تعالى: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: ١٢٨]، ويدخل فيها كل من آمن بالله من ذرية إبراهيم إلى يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon