السؤال: أيضاً في قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة: ١٩٩]؟ الجواب: بعض العلماء يقولون: إن الآية فيها تقديم وتأخير. والناس قيل: إن المقصود إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقيل: المقصود غلبة الناس، وذلك أن قريشاً كانت تأنف أن تخرج إلى الحل في يوم عرفة، ولما ذهب النبي - ﷺ - إلى عرفة ما كانت قريش تشك أنه لن يتجاوز مزدلفة؛ لأن النبي - ﷺ - من قريش ؛ لكنه تجاوزها - أي مزدلفة - حتى أتى عرفة. لكن الإشكال أن الله رتب فقال: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ - ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: ١٩٨-١٩٩]، فقالوا: إن الترتيب هنا فيه تقديم وتأخير وهذا قاله الطبري، وبعض العلماء يقولون: (ثم) هنا ليست للترتيب وإنما بمعنى الواو ويحتجون على أن (ثم) تأتي بمعنى الواو بأن الله جل وعلا قال: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ - فَكُّ رَقَبَةٍ - أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ - يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ - أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ - ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد: ١٢-١٧]، ولا يستقيم أن تكون (ثم) هنا للترتيب لأنه مؤمن من قبل أن يفك الرقبة لكن قالوا: (ثم) هنا بمعنى الواو أي: وكان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.