وقد يجاب عن هذا الإيراد : بأن العلماء وإن كانوا لم يتركوا آية من القرآن إلا وتكلموا عليها إلا أنه لا يعلم أي الوجوه المحتملة هو الحق إلا الله فتعيين المراد من هذه الوجوه لا يعلمه إلا الله قال الوزير الصالح الإمام عون الدين يحيى بن هبيرة :
( ما من آية من القرآن إلا وقد فسرها العلماء، لكن لا يعلم المراد من تلك الوجوه المحتملة إلا الله ) اهـ. ( (١) ) بشيء من الاختصار.
وأعظم أسباب اختلاف العلماء في هذه المسألة مبني على اختلافهم في المحكم والمتشابه وأي شئ أريد بهما ( (٢) ). وذلك للاشتراك اللفظي في لفظ التأويل ( (٣) ).
ومن العلماء من فصل في هذا المقام، وقال التأويل يطلق في القرآن ويراد به معنيان
أحدهما :
التأويل بمعنى حقيقة الشيء التي يؤول إليها أي يرجع إليها، ومنه قوله تعالى: ﴿ هذا تأويل رؤياي من قبل ﴾ و قوله تعالى: ﴿ هل ينظرون إلا تأويله ﴾ أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد، فعلى هذا الوقف على ﴿ إلا الله ﴾ لأن حقائق الأمور لا يعلمها على الجلية إلا الله.
ويرد التأويل بمعنى التفسير والبيان، كما قال تعالى :{ نبئنا بتأويله) يعني تفسيره، فالوقف على هذا على :( الراسخون في العلم ) لأنهم يعلمون ما خوطبوا به على هذا الاعتبار ( (٤)

(١) ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ١ /٢٧٢. وابن هبيرة عون الدين يحيى بن هبيرة وزير صالح مشهور بالفقه والزهد كان ينفق على أهل العلم ويجالسهم ويراجعهم سائل الفقه وكان أول أمره فقيرا وله كتاب مشهور شرح به الصحيحين وهو الإفصاح عن معاني الصحاح مطبوع، . أثنى عليه العلماء. ومنهم ابن الجوزي الثناء الكثير ترجمته في :( ذيل الطبقات ١ / ٢٥١ – ٢٨٩ ).
(٢) فتح القدير ١ /٣١٧
(٣) مجموع الرسائل الكبرى لشيخ الإسلام ٢ /١٧
(٤) تفسير ابن كثير ١ /٣٥٥ وينظر ما قاله في هذا شيخ الإسلام في الفتاوى ١٦ /٢٢٨ الطبعة الجديدة لمكتبة العبيكان ١٤١٨هـ
ومجموع الرسائل الكبرى ١/٦ وما بعدها


الصفحة التالية
Icon