( أحسن ما قيل في المحكمات والمتشابهات أن المحكمات ما كان قائما بنفسه، لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره، و المتشابهات نحو قوله تعالى ﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ يرجع فيه إلى قوله :﴿ وإني لغفار لمن تاب ﴾ وقوله :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ﴾ النساء -٤٨ و١١٦. وهذا يرجع عندي إلى القول بأن المحكم ما لم يحتمل من التأويل إلا وجها – القول الذي قبله -.
٨- هو الواضح المعنى الظاهر الدلالة، إما باعتبار نفسه أو باعتبار غيره، والمتشابه ما لم يتضح معناه لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره. اختاره الإمام الشوكاني في تفسيره وهو قريب من القول الذي قبله. فهذه الأقوال الثلاثة الأخيرة هكذا عدها حماعة من العلماء ومن تأملها علم أنها ترجع إلى قول واحد لكن القولين الأخيرين فيهما زيادة إيضاح.
٩- أن المحكم ما كانت معاني أحكامه معقولة والمتشابه ما كانت معاني أحكامه غير معقولة كأعداد الصلوات واختصاص الصيام بشهر رمضان دون شعبان. (١)
وأرجحها في نظري القول بأن المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها والمتشابه ما احتمل من التأويل أوجها. لأن معنى الإحكام والتشابه لغة يدل على ذلك ولأنه تعالى قال في وصف المحكمات :﴿ هن أم الكتاب ﴾. و ذلك دال على أن المحكمات أصل يرد إليهن غيرهن ولو يكن المحكم كذلك لما أمكن رد المتشابه إليه.
وقد فصلت القول هنا في هذه الآية لظهور دلالتها على أهمية وفضل علم الوقف والابتداء، ولشدة الحاجة لمعرفة أقوال العلماء فيها. و تركت التوسع أكثر في تفسيرها مراعاة لمقصد هذه الرسالة. فأعود لذكر مثال آخر من كلام السلف في علم الوقف والابتداء.