وزاد محمد الطاهر بن عاشور من مظاهر الضَّرر المضاف إلى المعبودات الباطلة في الدُّنيا: "ضرره بالتوجُّه عند الاضطرار إليها، فيضيع زمنه في تطلب ما لا يحصل" (١).
ولخص الألوسي ذلك بعبارة رشيقة فقال: "الضّر المنفي ما يكون بطريق المباشرة، والمثبت ما يكون بطريق التسبُّب، والنَّفع المنفي هو الواقعي، والمثبت هو التوقُّعي، قيل: ولهذا الإثبات عبَّر بـ (من)، فإنَّ الضّر والنَّفع من شأنهما أن يصدرا عن العقلاء" (٢).
الإشكال الثاني: قوله: [الحج: ١٣] فكأنَّ هناك نفعاً لعبادة المعبود الباطل، مع أنَّه لا نفع في عبادة الصنم أصلاً؟
الجواب: هذا على عادة العرب، فإنَّهم يقولون لما لا يكون أصلاً: بعيد، كقوله تعالى: [ق: ٣] أي: لا رجع أصلاً. فلما كان نفع الصنم بعيداً على معنى أنَّه لا نفع فيه أصلاً؛ قيل: ضره أقرب؛ لأنَّ الضَّرر كائنٌ للعابد بسبب هذه العبادة الباطلة، والنَّفع أبعد؛ لأنَّه لا نفع فيه أصلاً على طريقة الكلام العربي الفصيح.
الإشكال الثالث: ـ ولا يخطر غالباً إلاَّ على ذهن مفسِّرٍ لغويٍ متبحرٍ ـ وهو: قوله [الحج: ١٣] ما وجه هذه اللام؛ إذ الأصل: (يدعو من ضره)؟
اختلفوا فيه على عدة أجوبة منها الأربعة التالية:
[١] اللام في قوله (لمن) لام الابتداء، وهي تفيد تأكيد مضمون الجملة الواقعة بعدها، فلام الابتداء تفيد مفاد (إن) من التأكيد، وقدمت من تأخير، إذ حقها أن تدخل على صلة من الموصولة، والأصل: يدعو من لضره أقرب من نفعه.
[٢] قال ابن هشام: بمعنى: يقول، والخبر محذوف، أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه: هو إله.
(٢) الآلوسي؛ محمود شكري البغدادي (ت ١٢٧٥ هـ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، قرأه وصحّحه محمد حسين العرب، دار الفكر، بيروت، ١٤١٧هـ، ١٩٩٧م، ١٧/١٢٥، تفسير البغوي، ص ٣٦٩.