فقوله تعالى [آل عمران: ١١٧] اختلف في الصّر: فقيل برد شديد، وقيل: الصّر: صوت لهيب النَّار، وقد كانت في تلك الريح، وقيل : أصل الصّر كالصَّرصر: الريح الباردة، وعليه يكون معنى النَّظم: كمثل ريحٍ فيها ريحٌ باردة "وهو كما ترى محتاجٌ إلى التوجيه" (١)، إذ كيف يقال: ريحٌ فيها ريحٌ باردة؟
فذكروا في توجيهه الأقوال التالية:
[١] الصِّر في صفة الريح بمعنى الباردة، فوصف بها القرة، بمعنى فيها قرة صر، كما تقول: برد بارد على المبالغة.
[٢] أن يكون الصّر مصدراً في الأصل بمعنى البرد، فجيء به على أصله.
[٣] أنَّه واردٌ على التجريد (٢)، والتجريد "أنْ ينتزع من أمرٍ موصوف بصفة أمر آخر مثله في تلك الصَّفة للمبالغة في كمال تلك الصَّفة في ذلك الأمر المنتزع عنه، نحو قولهم: لي من فلان صديق حميم" (٣)، وحال الآية هنا كما في قوله تعالى: [الأحزاب: ٢١]، إذ أصلها لقد كان لكم رسول الله أسوة حسنة. وكقولهم: إنَّ ضيَّعني فلان ففي الله كاف وكافل، فيكون معنى الآية: كمثل ريح فيها ريح باردة لشدة ظهور الريح في شدّتها.
ويشبه هذا المثال ما ورد في القرآن من الإطناب الذي تضمَّن كلاماً قد تُظَنُّ بداهته كقوله تعالى: [الكهف: ١٧]: إذ قد يقال: ما الفائدة من ذلك؟
والجواب ـ كما قال ابن قُتَيْبة في توجيه ذلك ـ: وأيُّ شيء بأن يكون أوْلَى فائدة من هذا الخبر؟ وأيُّ معنى ألطف مما أودع الله هذا الكلام؟ وإنَّما أراد الله عزَّ وجلَّ أن يعرفنا لطفه للفتية، وحفظه إياهم في المهجع، واختياره لهم أصلح المواضع للرقود..." (٤).
(٢) الكشَّاف، ١/٢٠١، روح المعاني، ٤/٣٦.
(٣) التعريفات، ص ٧٣.
(٤) تأويل مشكل القرآن، ص ١٠.