الثالث: أن يظهر من وضع الآية في المصحف التأخُّر مع تقدُّم السبب بفترة طويلة:
فقوله تعالى: [التوبة: ١١٣]، ورد في سبب نزولها ما رواه المسيّب بن حزن قال: إنَّ أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النَّبي - ﷺ - وعنده أبو جهل، فقال: (أي عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله). فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيءٍ كلَّمهم به: على ملة عبد المطلب، فقال النَّبي - ﷺ - :(لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عنه). فنزلت الآية المذكورة، ونزلت [القصص: ٥٦] (١).
فقد يستبعد بعضهم ذلك بأنَّ موت أبي طالب قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وهذه السُّورة (التوبة) من أواخر ما نزل بالمدينة.
وتوجيه ذلك بالتالي:
[١] ما قاله الواحدي: هذا الاستبعاد مستبعد، فأيّ بأس أن يقال: كان - ﷺ - يستغفر لأبي طالب من ذلك الوقت إلى وقت نزول الآية؛ فإنَّ التشديد مع الكفار إنَّما ظهر في هذه السورة، وعليه لا يُراد بقوله: فنزلت في الخبر بأنَّ النزول كان عقيب القول؛ بل يراد أنَّ ذلك سبب النزول، فالفاء فيه للسببية لا للتعقيب. وهو توجيهٌ وجيه.
[٢] إنَّ كون هذه السُّورة من أواخر ما نزل باعتبار الغالب ـ كما تقدَّم ـ فلا ينافي نزول شيء منها في مكة (٢)، ونقل ابن عاشور عن بعضهم في أول سورة التوبة استثناء بعض آياتها من النزول المدني، منها هذه الآية (٣).

(١) صحيح البخاري، ٣/١٤٠٩، مسلم، ١/٥٤.
(٢) الجوابان في روح المعاني، ١١/٣٣ "بتصرُّف".
(٣) التحرير التنوير، ١٨٠٤.


الصفحة التالية
Icon