وقد وجَّهه ابن عاشور بقوله: "تهيّأ لأصحاب هذه المناجاة أن يسعوا إلى طلب حظوظهم الشريفة من الهداية، بعد أن حمدوا الله ووصفوه بصفات الجلالة، ثم أتبعوا ذلك بقولهم [الفاتحة: ٥] الذي هو واسطة جامع بين تمجيد الله تعالى، وبين إظهار العبودية، وهي حظ العبد بأنَّه عابد ومستعين، وأنَّه قاصر ذلك على الله تعالى، فكان ذلك واسطة بين الثناء وبين الطلب، حتى إذا ظنوا بربهم الإقبال عليهم، ورجوا من فضله؛ أفضوا إلى سؤال حظهم فقالوا: [الفاتحة: ٦]، فهو حظ الطالبين خاصّة لما ينفعهم في عاجلهم وآجلهم، فهذا هو التوجيه المناسب لكون الفاتحة بمنزلة الديباجة للكتاب الذي أنزل هدى للنَّاس ورحمة، فتتنزل هاته الجملة مما قبلها منزلة المقصد من الديباجة، أو الموضوع من الخطبة، أو التخلُّص من القصيدة، ولاختلاف الجمل المتقدّمة معها بالخبرية والإنشائية فصلت هذه عنهن، وهذا أولى في التوجيه من جعلها جواباً لسؤال مقدّر على ما ذهب إليه صاحب "الكشَّاف" (١).
وتوجيه الزَّمخشري في هذا الموضع: "ويكون قوله: بياناً للمطلوب من المعونة كأنَّه قيل: كيف أعينكم؟ فقالوا: ، وإنَّما كان أحسن لتلاؤم الكلام وأخذ بعضه بحجز بعض" (٢).
السادس: تكرير الجملة في مكان متقارب:
ففي قوله تعالى: [البقرة: ٣٨] تكرَّرت هذه الجملة في قصة آدم - عليه السلام - في سورة البقرة في موضعين، فاحتاج المفسِّر إلى البحث عن وجه ذلك.
وقد ذُكِرَ في توجيه ذلك ما يلي:

(١) التحرير والتنوير، ١/١٠٨.
(٢) الكشَّاف، ١/٨.


الصفحة التالية
Icon