[١] قيل: كرَّر الأمر على جهة التغليظ وتأكيده كما تقول لرجل: قم قم (١). والتكرير لأجل التغليظ ليس بتوجيهٍ وجيه؛ فقد ذكر الله تعالى أنَّه تاب على آدم - عليه السلام - قبل الآية الثانية التي فيها جملة: ، ولا يوجد دليل على أنَّ هذا التوبة كانت بعد إنزاله إلى الأرض؛ بل ظاهر القرآن أنَّها كانت وهو ما زال في الجنة، فكيف يغلِّظ عليه بعد أنْ تاب عليه؟
[٢] التكرير لأجل الربط في نظم الكلام، فهو قولٌ واحدٌ له مدلولٌ واحدٌ تكرّر لربط الكلام لا لأمر معنوي، فكرَّر "الأمر لما علَّق بكل أمرٍ منهما حكماً غير حكم الآخر، فعلَّق بالأول العداوة، وبالثاني إتيان الهدى" (٢)، "فيكون هذا التكرير لمجرد اتصال ما تعلَّق بمدلول [البقرة: ٣٦]، وذلك قوله [البقرة: ٣٦]، وقوله [البقرة: ٣٨] إذ قد فصل بين هذين المتعلقين ما اعترض بينهما من قوله
[البقرة: ٣٧]، فإنَّه لو عقب ذلك بقوله [البقرة: ٣٨] لم يرتبط كمال الارتباط، ولتوهَّم السامع أنَّه خطاب للمؤمنين على عادة القرآن في التفنن (٣)، فلدفع ذلك أعيد قوله [البقرة: ٣٨].
(٢) تفسير القرطبي، ١/٣٦٨.
(٣) عادات القرآن: هي أساليبه التي تميَّز بها، وجرت في نظمه وكلمه مجرى العادة. وتعرض لها بعض المفسرين كالزمخشري، وهي مبثوثة في تفسيره، وأشار إليها ابن عاشور في المقدمة. انظر: التحرير والتنوير، ١/٥٩.