فهو قولٌ واحد كُرِّرَ مرتين لربط الكلام، ولذلك لم يعطف (قلنا)؛ لأنَّ بينهما شبه كمال اتصال (١)، لتنزل قوله [البقرة: ٣٨] من قوله [البقرة: ٣٦] منزلة التوكيد اللفظي، ثم بني عليه قوله الآية، وهو مغاير لما بني على قوله [البقرة: ٣٦] ليحصل شيءٌ من تجدُّد فائدة في الكلام؛ لكي لا يكون إعادة (اهبطوا) مجرد توكيد. ويُسَمَّى هذا الأسلوب في علم البديع بـ (الترديد)، نحو قوله تعالى
[آل عمران: ١٨٨]، وإفادته التأكيد حاصلة بمجرد إعادة اللفظ" (٢).

(١) كمال الاتصال: هو التلازم بين الأمرين كأنهما شيء واحد، فلذا قد يعبَّر عن أحدهما بالآخر، وقد يأتي أمران فلا يكون بينهما حرف عطف لكمال الاتصال بينهما. انظر: أبو السعود؛ محمد بن محمد العمادي (ت ٩٥١هـ): تفسير أبي السعود المسمى إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ٢/٢١، حيث عبَّر عن جزاء الكسب بالكسب في قوله تعالى: [آل عمران: ٢٥]، وانظره في ٧/٢٢٨، في قصة أيوب - عليه السلام - من سورة ص، حيث قال: [ص: ٤١] فعطف على اذكر عبدنا داود، وعدم تصدير قصة سليمان - عليه السلام - بهذا العنوان لكمال الاتصال بينه وبين داود ـ عليهما السلام ـ، ومثله في روح المعاني، ١٣/١٨٩، في قوله تعالى: [البقرة: ٤٩] فحيث طرح الواو قصد تفسير العذاب وبيانه فلم يعطف لما بينهما من كمال الاتصال... وصرَّح العلائي؛ صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيلكلدي بن عبدالله العلائي الدمشقي الشافعي بأنَّ الكلمتين أو الجملتين إذا كان بينهما كمال اتصال فلا يعطف بينهما بالواو في كتابه المفيد: الفصول المفيدة في الواو المزيدة، تحقيق د. حسن موسى الشاعر، دار البشير، عمان، ط/١، ١٩٩٠م، ص ١٣٥.
(٢) التحرير والتنوير، ١/٢٥١.


الصفحة التالية
Icon