[٣] وقيل: بل له مدلول معنوي: فالهبوط الأول من الجنَّة إلى السماء، والثانية من السماء إلى الأرض (١)، فتكون إعادة للتنبيه على اختلاف زمن القولين ومكان الهبوط، ويكون مرجع الضميرين في مختلفين: فالأول للجنة، والثاني للسماء الدنيا.
وضَعَّفَ ابن عاشور هذا التوجيه؛ لأنَّ ضمير منها المتعين للعود إلى الجنَّة لتنسيق الضمائر في قوله [البقرة: ٣٥]، وقوله [البقرة: ٣٦] مانعٌ من أنْ يكون المراد اهبطوا من السماء جميعاً، إذ لم يسبق ذكر للسماء (٢)، على أنَّ ذلك يحتاج إلى نقل بعدم وضوح الإشارة القرآنية إليه.
[٤] ارتضى ابن عاشور أنْ يكون الوجه المعنوي في التكرير: لحكاية أمرٍ ثانٍ لآدم - عليه السلام - بالهبوط، كي لا يظن أنَّ توبة الله عليه ورضاه عنه عند مبادرته بالتوبة عقب الأمر بالهبوط قد أوجبت العفو عنه من الهبوط من الجنَّة، فأعاد له الأمر بالهبوط بعد قبول توبته ليعلم أنَّ ذلك كائنٌ لا محالة؛ لأنَّه مراد الله تعالى، وطور من الأطوار التي أرادها الله تعالى من جعله خليفة في الأرض، وهو ما أخبر به الملائكة.
وفيه إشارة أخرى وهي أنَّ العفو يكون من التائب في الزواجر والعقوبات، وأمَّا تحقيق آثار المخالفة ـ وهو العقوبة التأديبية ـ فإنَّ العفو عنها فسادٌ في العالم؛ لأنَّ الفاعل للمخالفة إذا لم ير أثر فعله لم يتأدب في المستقبل، فالتسامح معه في ذلك تفويتٌ لمقتضى الحكمة؛ فإنَّ الصبي إذا لوَّث موضعاً وغضب عليه مربيه، ثم تاب فعفا عنه؛ فالعفو يتعلَّق بالعقاب، وأمَّا تكليفه بأن يزيل بيده التلويث الذي لوَّث به الموضع فذلك لا يحسن التسامح فيه.
هكذا ينبغي أنْ يكون التوجيه إذا كان المراد من الثاني حكاية أمرٍ ثانٍ بالهبوط خوطب به آدم - عليه السلام - (٣).
السابع: استخدام تعبير مستغرب:
(٢) التحرير والتنوير، ١/٢٥١.
(٣) التحرير والتنوير، ١/٢٥١.