والغرابة هنا من قبل القارئ لا من قبل التعبير ذاته، فالقرآن مبين، والخلل في أفهام المستمعين، فالغرابة متفاوتة عندهم.
والتعبير المستغرب ثلاثة أنواع:
النوع الأول: استغراب استعمال الكلمة لاحتمالها معنى آخر:
ففي قوله تعالى: [يوسف: ٢]، ضمير
يجوز أنْ يعود إلى اسم الجلالة، ويكون بمعنى خالقي تولاني بلطفه فلا أركب ما حرَّمه، ويجوز أنْ يعود إلى معلوم من المقام، وهو زوجها الذي لا يرضى بأنْ يمسَّها غيره، فهو معلوم بدلالة العرف ويكون
بمعنى سيدي ومالكي، أي سيدي الذي ربّاني وأحسن مثواي حيث أمركِ بقوله :[يوسف: ٢١]، فكيف أخونه في أهله وأجيبك إلى ما تريدين من ذلك؟ (١).
وعلى التأويل الثاني استُغرِبَ أنْ يكون يوسف - عليه السلام - ينعت سيده بهذا الوصف (الرب)، فاحتاج الأمر إلى البحث عن وجه ذلك:
[١] فقيل: هذا من بلاغة يوسف - عليه السلام -، لأنَّه أتى بمثل هذا التركيب في لغة القبط تعظيماً لحق السيّد.
[٢] وإمَّا لأنَّه أتى بعذريْن لامتناعه، فحكاهما القرآن بطريقة الإيجاز والتوجيه.
وأيَّاً ما كان فالكلام تعليل لامتناعه، وتعريضٌ بها في خيانة عهدها، وذكر وصف الرب ليس مستغرباً على التأويل الثاني؛ إذ المراد بهذا التعبير أمران:
[١] تفخيم أمر سيّد البيت من قبل الخادم، فهو تعريضٌ بها بأنَّها أوْلَى أنْ تفعل ذلك، بأنْ تطيعه ولا تخون عهده.
[٢] تعليلٌ للامتناع الكائن منه ببعض الأسباب التي هي أقرب إلى فهم امرأة العزيز (٢)، وأكَّد ذلك بوصفه بجملة أي: جعل آخرتي حسنى، إذ أنقذني من الهلاك أو أكرم كفالتي (٣).
ومثل ذلك قوله تعالى: [النساء: ٤٦] فهذا قول ذو وجهين: يحتمل الذمّ كما يحتمل المدح.
أمَّا احتماله الذمّ فعلى نحوين:

(١) التحرير والتنوير، ١٢/٤٧، فتح القدير، ٣/٢٣.
(٢) فتح القدير، ٣/٢٣.
(٣) التحرير والتنوير، ١٢/٤٧.


الصفحة التالية
Icon