الأول: أنْ يكون معناه: اسمع منّا مدعواً عليك ـ بلا سمعت ـ؛ لأنَّه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع، فكان أصم غير مسمَعٍ.
والثاني: المعنى: اسمع غير مجابٍ إلى ما تدعو إليه، ومعناه: غير مسمع جواباً يوافقك، فكأنَّك لم تسمع شيئاً، أو اسمع غير مسمع كلاماً ترضاه، فسمعك عنه ناب.
وأمَّا احتماله المدح فعلى نحوين أيضاً:
الأول: اسمع غير مسمَع مكروهاً من قولك: اسمع فلان فلاناً إذا سبّه، ومنه قول النَّبي - ﷺ - :(من سَمَّعَ سَمَّعَ الله به، ومن يرائي يرائي الله به) (١)، أي "من عَمِلَ عملاً على غير إخلاص، وإنَّما يريد أنْ يراه النَّاس ويسمعوه جوزي على ذلك، بأنْ يشهره الله ويفضحه، ويظهر ما كان يبطنه" (٢) فاستخدم التسميع في الحديث في الموضع الأول لمدح النَّفس، وفي الثاني لذمّ الفاعل بالفضيحة له.
والثاني: أي غير مأمورٍ بأنْ تسمع، فاحترسوا بذلك لئلا يفهم من الأمر أنَّه أمر ملزم من جهتهم، كما تقول العرب: "افعل غير مأمور"، وهو ما يُسمَّى عند المفسِّرين والبلاغيين بـ (الاحتراس)، وهو "أنْ يكون الكلام محتملاً لشيء بعيد، فيؤتى بما يدفع ذلك الاحتمال"، ومنه: قوله تعالى: [القصص: ٣٢]، فاحترس سبحانه بقوله من غير سوء عن إمكان أنْ يدخل في ذلك البهق والبرص (٣).
(٢) ابن حجر، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ): فتح الباري شرح صحيح البخاري، حقَّق أصولها عبد العزيز بن باز، رقَّم كتبها وأبوابها وأحاديثها محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط/١، ١٤١٠ هـ، ١٩٨٩م، ١١/٣٣٦.
(٣) البرهان في علوم القرآن، ٣/٦٤، السيوطي؛ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر
(ت ٩١١ هـ): الإتقان في علوم القرآن، المكتبة الثقافية، بيروت، ٢/١٩٩، خزانة الأدب، ٢/٤٨٦، التعريفات، ص ٢٥.