فهذه الكلمة كانت معروفة الإطلاق بين العرب في معنى الكرامة والتلطُّف إطلاقاً متعارفاً، ولكنهم لما قالوها للرسول - ﷺ - أرادوا بها معنى آخر انتحلوه لها من شيء يسمح به تركيبها الوضعي (١).
ومثل ذلك قوله تعالى عنهم: [النساء: ٤٦]يحتمل أربعة أوجه: اثنين لا مانع منهما، واثنين ممنوعين:
الأول: راعنا نكلمك، أي ارقبنا وانتظرنا.
والثاني: راعنا أي ارفق بنا. والمراعاة مفاعلة مستعملة في المبالغة في الرعي على وجه الكناية الشائعة التي ساوت الأصل؛ ذلك لأنَّ الرعي من لوازمه الرفق بالمرعي، وطلب الخصب له، ودفع العادية عنه.
فهذان المعنيان مقبولان، ولكن اليهود الذين قالوا ذلك أتوا بلفظٍ ظاهره طلب المراعاة، أي الانتظار أو الرفق، وأرادوا أحد المعنيين الآخرين المذمومين، وهما:
الأول: يحتمل أنْ تكون شبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابُّون بها، تدلُّ على ما تدلُّ عليه كلمة الرعونة في العربية.
والثاني: وقيل: بل كانوا يشبعون كسر العين (راعينا) ويعنون ـ لعنهم الله تعالى ـ أنَّه بمنزلة خدمهم ورعاة غنمهم ـ وحاشاه - ﷺ - ـ.

(١) انظر: الكشَّاف، ١/٢٥٧، تفسير أبي السعود، ٢/١٨٣، الراغب؛ أبو القاسم الحسين بن محمد الأصفهاني (ت ٥٠٢ هـ): المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت ٧١٦، روح المعاني، ٥/٤٧، التحرير والتنوير، ٤/١٤٦.


الصفحة التالية
Icon