فكانوا ـ سخرية بالدِّين وهزؤاً برسول الله - ﷺ - ـ يكلّمونه بكلامٍ محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة، ويظهرون به التوقير والإكرام، فإنْ قلت: كيف جاؤوا بالقول المحتمل ذي الوجهين بعد ما صرَّحوا وقالوا: سمعنا وعصينا؟ قلت: جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان، وليس كلهم كانوا يواجهونه بالسبِّ ودعاء السُّوء، ويجوز أنْ يقولوه فيما بينهم، ويجوز أنَّهم لم ينطقوا بقولهم: سمعنا وعصينا، ولكنهم لما لم يؤمنوا ويستجيبوا لِمَا دعاهم جعلوا كأنَّهم نطقوا به (١).
وهذا القول فيه مخالفة لظاهر النَّص دون قرينة.
النوع الثاني: استغراب الاستعمال من النَّاحية النَّحوية الدَّلالية؛ لمجيئها على خلاف الوضع اللُّغوي:
مثل قوله تعالى: [البقرة: ٧١]، فإنَّ الوضع اللُّغوي يقتضي نفي مدلول كاد؛ إذ مدلولها المقاربة، ونفي مقاربة الفعل يقتضي عدم وقوعه بالأوْلَى، كما يقال: ما كتب، فنفى الكتابة، فإذا قال: ما كاد يكتب؛ نفي مقاربة الكتابة، فهو أوْلَى من نفي الكتابة.
فيقال: أنَّى يجتمع نفي مقاربة الذبح مع وقوع ذبحها بقوله [البقرة: ٧١]، فاحتاج التعبير إلى التوجيه.
وقد ذكر في توجيهها أقاويل، أهمها:
[١] التعبير جاء على قياس الوضع اللُّغوي فلا غرابة فيه، إذ ذهب قوم منهم الزّجاجي إلى أنَّ نفيها يدلُّ على نفي مقاربة الفعل، وهو دليل على انتفاء وقوع الفعل بالأوْلَى. فيكون معنى: ما كدت أفعل، بمعنى ما فعلت ولا قاربت. وما ورد مما يوهم خلاف ذلك مؤول بأنَّه باعتبار وقتين، فيكون بمنزلة كلامين، ومنه قوله تعالى [البقرة: ٧١] في هذه الآية، أي فذبحوها الآن، وما كادوا يفعلون قبل ذلك، ولعلهم يجعلون الجمع بين خبرين متنافيين في الصورة قرينة على قصد زمانين، وإلى هذا ذهب ابن مالك في "الكافية" إذ قال: