وعلى هذا فالتوجيه عند المفسِّرين أخص من التوجيه عند البلاغيين؛ إذ هو عند المفسِّرين "بيان وجه الكلام الخفي المشكل"، أمَّا عند البلاغيين فهو "احتمال الكلام لوجهين مختلفين"، وهو ما استقر عليه استعمال المفسِّرين في كتبهم، وهو التعريف الذي يعتمده الكاتب هنا.
ويمكن تحديد تعريفه الاصطلاحي بأنَّه يُراد به أحد معنيين في استعمال المفسِّرين:
الأول: بيان وجه الكلام الظاهر، أي معناه المباشر.
الثاني: التماس وجه الكلام الخفي، أو التعليل لما يظهر فيه من إشكال.
فالعلاقة بين التعريف اللُّغوي، والاصطلاحي: التماس وجهة الكلام ببيان معناه، وحيثية هذا المعنى دون غيره مع احتماله له.
فأمَّا المعنى الأول فهو مرادفٌ للتفسير كقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: [القصص: ٣٥]: "أي لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله، كما قال تعالى: [المائدة: ٦٧]، وقال تعالى: [الأحزاب: ٣٩]... ولهذا أخبرهما أنَّ العاقبة لهما ولمن اتبعهما في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: [القصص: ٣٥]، كما قال تعالى: [المجادلة: ٢١]، وقال تعالى: [غافر: ٥١].
ووجَّه ابن جرير على أنَّ المعنى: ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما، ثم يبتدىء فيقول: [القصص: ٣٥]، تقديره: أنتما ومن اتبعكما الغالبون بآياتنا. ولا شَكَّ أنَّ هذا المعنى صحيح، وهو حاصلٌ من التوجيه الأول فلا حاجة إلى هذا" (١).

(١) ابن كثير؛ عماد الدين إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي أبو الفداء (ت ٧٧٤هـ): تفسير القرآن العظيم، تقديم محمد عبد الرحمن المرعشلي، إعداد مكتب تحقيق دار إحياء التراث العربي، أعدَّ فهارسها رياض عبد الله عبد الهادي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط/١، ١٤١٧هـ، ١٩٩٧م، ٣/٥١٦.


الصفحة التالية
Icon