ولكنَّ ادّعاء كونه من مبتكرات الزّجاج فيه نظر، فإنَّ أبا إسحاق محمد بن السّري الزّجاج توفى عام ٣١٠ هـ، وهو التاريخ الذي توفى فيه أبو جعفر محمد ابن جرير الطَّبري، وقد ذكر في تفسيره "جامع البيان" هذا التوجيه كأحد توجيهات الإعراب في الآية (١)، فلا يستطاع الجزم بالابتكار للزّجاج.
[٣] التوجيه الثالث، وهو أقوى التوجيهات، أنْ هذه هي اللُّغة العامة الفصيحة في الأسماء المبهمة، فيستبعد بذلك الخطأ اللُّغوي لهذه القراءة، والضَّعف فيها. وقد ذهب ابن تيمية إلى هذا، فكلمة وكل اسم مبهم بالألف هو اللُّغة الفصيحة العامة، وليس لغة القبائل الأربع المذكورة، إذ تلك تثبت المثنى مبهماً أو غير مبهم بالألف مطلقاً، أمَّا المبهم فإثباته بالألف هي اللُّغة العامة عند العرب. ويستدلُّ ابن تيمية على ذلك بالترتيب المنطقي التالي: الصحابة - رضي الله عنهم - قرأوا هذا الحرف بالألف، كما كتبوها في الصلاة وخارج الصلاة.
هذا قول ابن تيمية، والصواب: لم تكتب بالألف؛ بل لم يشر فيها إلى ألف أو ياء.
من الممتنع أنْ يكونوا كلهم قرأوه بالياء كأبي عمرو، فإنَّه لو كان كذلك لم يقرأها أحدٌ إلاَّ بالياء، ولم تكتب إلاَّ بالياء. ولإكمال هذا التَّقرير يقال: كتبت: (هذن)، بلا ألف ولا ياء، لتحتمل قراءتي الألف والياء.
سمع التَّابعون ذلك منهم، ومن التَّابعين سمعها تابعوهم، إلى القُرَّاء المشهورين، كما سمعوا القراءات الثابتة الأخرى، فالاستدلال هنا للقراءتين لا لقراءة الألف وحدها.
والصحابة - رضي الله عنهم - إنَّما قرأوا كما علَّمهم الرسول - ﷺ -، وكما هو لغة للعرب، ثم لغة قريش، فعلم أنَّ هذه اللُّغة الفصيحة المعروفة عندهم في الأسماء المبهمة تقول: (إنَّ هذان)، ومررتُ بهذان، تقولها في الرفع والنَّصب والخفض بالألف، ومن قال: إنَّ لغتهم إثبات الألف في الرفع فقط؛ طولب بالشاهد.