رأى الحموي أنَّ التوجيه هو الإبهام عند المتقدّمين، وأنَّ تسميته بـ "الإبهام" أوْلَى، وهذا مذهب ابن أبي الأصبع؛ فإنَّه هو الذي تخيَّر الإبهام ونزَّل عليه هذه الشواهد، واختصر التوجيه من كتابه، وقد أجمع الناس على أنَّ كتابه المسمى بـ "تحبير التحرير" أصحّ كتابٍ أُلِّفَ في البلاغة؛ لأنَّه لم يتكل فيه على النَّقل دون النَّقد. والسكاكي ومن تبعه سمّوا هذا النوع "التوجيه"، ونسج الناس على منوالهم إلى أنَّ تخيَّر ابن أبي الأصبع نوع الإبهام، وقرَّر له الشواهد التي هي أليق به من التوجيه (١). والظاهر أنَّ الإبهام أعم من التوجيه، والتورية والمشترك بينها خفاء المراد (٢).
ثانياً: بين التوجيه والتورية:
والفرق بين التوجيه والتورية من وجهين:
أحدهما: أنَّ التورية أنْ يُطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد، ويراد البعيد، أمَّا التوجيه؛ فهو بيان وجه الكلام الذي أثار إشكالاً.
والثاني: أنَّ التورية تكون باللفظة الواحدة، والتوجيه لا يصح إلاَّ بعدة ألفاظ متلائمة كقولهم:
من أم بابك لم تبرح جوارحه | تروي أحاديث ما أوليت من منن |
فالعين عن قرة والكف عن صلة | والقلب عن جابر والأذن عن حسن |
وتوجيه بيته يصدق على أسماء الأعلام من رواة الحديث، والمعنى الآخر في حسن مناسبته بين القرة، والعين، والصَّلة، والكف، والجبر، والقلب، والكسر، والسمع، والحسن ظاهر (٣).
وقد حاول الكاتب بيان الفرق من ناحية تفسيرية، وإن اشتركت مع الناحية البلاغية.
(٢) المغربي؛ ابن يعقوب المغربي: مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح، مؤسسة دار البيان العربي، ط/٤، ١٤١٢هـ، ١٩٩٢م، ٤/٣٢٢.
(٣) خزانة الأدب، ١/٣٠٤.