ثالثاً: بين التوجيه والتأويل:
التأويل عند المفسِّرين يستعمل بأحد معنيين إجمالاً:
[١] بمعنى التَّفسير للآية أو للكلمة، وهو ما اشتهر عن الطبري استعماله في تفسيره فالنَّسبة بينهما التماثل.
[٢] والمعنى الآخر: التغاير بينهما، واختلف أهل العلم بالتَّفسير في ذلك على ستة أقوال، وارتضى كثير من المحقِّقين على أنَّ التَّفسير ما كان راجعاً إلى الرواية، والتأويل ما كان راجعاً إلى الدِّراية (١).
وهذا اصطلاح، وإلاَّ فالتأويل أوسع من ذلك. وعلى هذا الترجيح فإنَّ التأويل أعم من التوجيه، فإنَّ التوجيه يرجع إلى حل الغوامض، والكشف عن المشكلات، أمَّا التأويل فهو إعمال الرَّأي في الآية أو الجملة القرآنية سواء كانت غامضة أم لا، سواء احتاج القارئ لها إلى إزالة ما أشكل في ذهنه أم لا.
الفصل الثاني
أسس في فن التوجيه
مجمل المشكلات التي تحتاج إلى التوجيه:
التوجيه "فن كثير الشعب يستعمله الشراح في شرح المتون، ويحصل به امتحان ذكائهم، ويظهر به تباين مراتبهم" (٢)، بل لو نظر الباحث في الدائرة التي تحتاج إلى التوجيه لوجدها تتسع لجميع المسائل التي تحتاج إلى حل، فدخل في هذه الدَّائرة: مشكلات القرآن العامة، والتضمين، والحذف، والإبدال، والمتشابه. ولكن ذلك يختلف بحسب ذهن الباحث أو الموجّه "فالتوجيه بالنسبة إلى المبتدئين غير التوجيه بالنسبة إلى المنتهين؛ فإنَّ المنتهي ربما يخطر بباله صعوبة فهم، فيحتاج إلى حلها، والمبتدئ غافلٌ عنها؛ بل لا يقدر أن يحيط بذلك، وكثيرٌ من الكلام يستصعبه المبتدئ، ولا يحصل في ذهن المنتهي شيءٌ من الصعوبة هنالك، فأمَّا من أحاط بجوانب الأذهان فينزل إلى حال الجمهور، ويتكلم بحسب أذهانهم" (٣).

(١) انظر في العلاقة بينهما: التَّفسير والمفسرون، ١/١٥، التنوير مقدمة في أصول التَّفسير، ص ٣٠.
(٢) العون الكبير في أصول التَّفسير، ص ٢٩٩.
(٣) العون الكبير في أصول التَّفسير، ص ٢٩٩.


الصفحة التالية
Icon