ومن الأمثلة الدقيقة التي توضح أنَّ التوجيه يختلف بحسب الأفهام:
قوله تعالى: [الحج: ١٣]، فقد ذكر البغوي أنَّ قوله: "من مشكلات القرآن" (١)، وذكر فيها عدة إشكالات تحتاج إلى توجيه، وقد لا تخطر على ذهن المبتدئ جميعاً؛ بل بعضها دون بعض، وهذه الإشكالات هي:
الأول: قال الله في الآية الأولى [الحج: ١٢]، وقال ها هنا: [الحج: ١٣] فكيف التوفيق بينهما؟
وقيل في توجيها الآتي:
[١] أنَّ قوله في الآية الأولى [الحج: ١٢]، أي : لا يضره ترك عبادته، وقوله: أي: ضرّ عبادته.
[٢] ووجَّه الزمخشري ذلك بأنَّ الآية الثانية تحدثت عن حال الكافر يوم القيامة، حيث يتضرَّر الكافر بعبادته للصنم، فقال: "الضَّرر والنَّفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين، وهذا تناقض؟ قلت: إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم، وذلك أنَّ الله تعالى سفَّه الكافر بأنَّه يعبد جماداً لا يملك ضراً ولا نفعاً، وهو يعتقد فيه ـ بجهله وضلاله ـ أنَّه يستنفع به حين يستشفع به، ثم قال: يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام، ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادّعاها لها أو كرَّر يدعو كأنَّه قال: يدعو من دون الله ما لا يضرّه وما لا ينفعه، ثم قال: لمن ضرّه بكونه معبوداً أقرب من نفعه بكونه شفيعاً لبئس المولى..." (٢).
ونحو ذلك عن السُّدي قال: قال: لا يضره إن عصاه،
قال: ولا ينفعه الصنم إن أطاعه،
قال: ضرّه في الآخرة من أجل عبادته إيّاه في الدُّنيا (٣).

(١) البغوي؛ أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء: تفسير البغوي معالم التنزيل، ص ٣٦٩.
(٢) الزمخشري؛ جار الله محمود بن عمر الخوارزمي أبو القاسم (ت ٥٣٨ هـ): الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار المعرفة، بيروت، ٣/٢٧.
(٣) السيوطي؛ عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين: الدر المنثور، دار الفكر، بيروت، ١٩٩٣م، ٦/١٥.


الصفحة التالية
Icon