[٣] ووجَّه ابن تيمية ذلك بأنَّ الإضرار المثبت المضاف إلى المعبود الباطل غير الإضرار المنفي عنه، فالإضرار المنفي هو فعل الضرر وإحداثه بالعابد، أمَّا المثبت فهو تسبُّب عبادة المعبود في وقوع الضرر بالعابد في الدنيا والآخرة، فقول الله تعالى: [الحج: ١٢] هو نفيٌ لكون المدعو المعبود من دون الله لا يملك نفعاً أو ضراً، وهذا يتناول كل ما سوى الله من الملائكة، والبشر، والجن، والكواكب، والأوثان كلها، فإنَّ ما سوى الله لا يملك لا لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً، كما قال تعالى في سياق نهيه عن عبادة المسيح: [المائدة: ٧٢-٧٦].
وقوله: [الحج: ١٢] نفيٌ عام، فهو لا يقدر أنْ يضر أحداً سواء عبده أو لم يعبده، ولا ينفع أحداً سواء عبده أو لم يعبده... وإذا كان كذلك فنقول المنفى بقوله: هو قدرة من سواه على الضّر والنَّفع.
وأمَّا المثبت بقوله هو تسبُّب المعبود الباطل في إحداث الضرر بعابده؛ إذ إنَّ قوله: اسم مضاف إليه، فإنَّه لم يقل: يضر أعظم مما ينفع؛ بل قال: ، والشيء يضاف إلى الشيء بأدنى ملابسة، فلا يجب أن يكون الضّر والنَّفع المُضافانِ من باب إضافة المصدر إلى الفاعل، بل قد يضاف المصدر من جهة كونه اسماً، كما تضاف سائر الأسماء، وقد يضاف إلى محله، وزمانه، ومكانه، وسبب حدوثه، وإن لم يكن فاعلاً، كقوله: [سبأ: ٢٣]، ولا ريب أنَّ بين المعبود من دون الله وبين ضرر عابديه تعلُّق يقتضى الإضافة كأنَّه قيل لمن شره أقرب من خيره، وخسارته أقرب من ربحه، فتدبَّر هذا، فأضيف الضّر إلى المعبود الباطل؛ لأنَّه سبب فيه، لا لأنَّه هو الذي فعل الضّرر، وهذا كقول الخليل عن الأصنام: [إبراهيم: ٣٦]، فنسب الإضلال إليهن، والإضلال هو ضرر لمن أضللنه... وهذا كما يقال: أهلك النَّاس الدَّرهم والدِّينار، وأهلك النَّساء الأحمران (الذهب والحرير).