وفى الصحيحين عن عمرو بن عوف عن النَّبى - ﷺ - أنَّه قال: (والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخاف أنْ تبسط عليكم الدُّنيا كما بسطت على مَنْ كان قبلكم، فتتنافسوا فيها كما تنافسوا فيها، وتهلككم كما أهلكتهم)) (١)، فجعل الدُّنيا المبسوطة هي المهلكة لهم، وذلك بسبب حبها، والحرص عليها، والمنافسة فيها، وإن كانت مفعولاً بها لا اختيار لها، فهكذا المدعو المعبود من دون الله، الذي لم يأمر بعبادة نفسه إمَّا لكونه جماداً، وإمَّا لكونه عبداً مطيعاً لله من الملائكة، والأنبياء، والصالحين من الإنس والجن، فما يدعى من دون الله هو لا ينفع ولا يضر، لكن هو السبب في دعاء الدَّاعي له وعبادته إيَّاه، وعبادة ذاك ودعاؤه هو الذي ضره، فهذا الضّر المضاف إليه غير الضّر المنفى عنه، فضرر العابد له بعبادته يحصل في الدُّنيا والآخرة، وإن كان عذاب الآخرة أشدّ.
فالمشركون الذين عبدوا غير الله حصل لهم بسبب شركهم بهؤلاء من عذاب الله في الدُّنيا ما جعله الله عبرة لأولى الأبصار، قال الله تعالى [هود: ١٠٠-١٠١] فبيَّن أنهم لم تنفعهم بل ما زادتهم إلاَّ شراً" (٢).
(١٩٤هـ ـ ت ٢٥٦هـ) : صحيح البخاري، مراجعة د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ١٤٠٧هـ، ١٩٨٧م، ٤/ ١٤٧٣، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت ٢٦١ هـ): صحيح مسلم، مراجعة محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٣٧٤هـ، ١٩٥٤م، ٤/٢٢٧٣.
(٢) ابن تيمية؛ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ت٧٢٨هـ: مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي، دار عالم الكتب، الرياض، ١٤٢١هـ، ١٩٩١م، ١٥/٢٦٩، وانظر: تفسير البغوي، ص ٣٦٩.