" ثم يأتي السياق للمشهد التاسع المشهد الفذ الذي اختص الله به نبيه موسى عليه السلام مشهد الخطاب المباشر بين الجليل سبحانه وعبد من عباده. المشهد الذي تتصل فيه الذرة المحدودة الفانية بالوجود الأزلي الأبدي بلا واسطة. ويطيق الكائن البشري أن يتلقى عن الخالق الأبدي، وهو بعد على هذه الأرض. ولا ندري نحن كيف... ولا ندري كيف كان كلام الله سبحانه لعبده موسى. ولا ندري بأية حاسة أو جارحة أو أداة تلقى موسى كلمات الله. فنتصور هذا على وجه الحقيقة، متعذر علينا نحن البشر المحكومين في تصوراتنا بنصيبنا المحدود من الطاقة المدركة وبرصيدنا المحدود من التجارب الواقعة.
ثالثاً : وقال سيد في الظلال في تفسير قوله تعالى ﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾ ( مريم آية ٥٢ ) :" ويبين فضل موسى بندائه من جانب الطور الأيمن ( الأيمن بالنسبة لموسى إذ ذاك ) وتقريبه إلى الله لدرجة الكلام. الكلام القريب في صورة مناجاة ونحن لا ندري كيف كان هذا الكلام وكيف أدرك موسى أكان صوتاً تسمعه الأذان أم يتلقاه الكيان الإنساني كله.
ولا نعلم كيف أعد الله كيان موسى البشري لتلقي كلام الله الأزلي إنما نؤمن انه كان. وهو على الله هين أن يصل مخلوقه به بطريقة من الطرق، وهو بشر على بشريته، وكلام الله علوي على علويته. ومن قبل كان الإنسان إنساناً بنفخة من روح الله ".