وحب الله لعبد من عبيده، أمر لا يقدر على إدراك قيمته إلا من يعرف الله - سبحانه - بصفاته كما وصف نفسه، وإلا من وجد إيقاع هذه الصفات في حسه ونفسه وشعوره وكينونته كلها.. أجل لا يقدر حقيقة هذا العطاء إلا الذي يعرف حقيقة المعطي.. الذي يعرف من هو الله.. من هو صانع هذا الكون الهائل، وصانع الإنسان الذي يخلص الكون وهو جرم صغير ! من هو في عظمته. ومن هو في قدرته. ومن هو في تفرده. ومن هو في ملكوته.. من هو ومن هذا العبد الذي يتفضل الله عليه منه بالحب.. والعبد من صنع يديه - سبحانه - وهو الجليل العظيم، الحي الدائم، الأزلي الأبدي، الأول والآخر والظاهر والباطن.
وحب العبد لربه نعمة لهذا العبد لا يدركها كذلك إلا من ذاقها.. وإذا كان حب الله لعبد من عبيده أمراً هائلاً عظيماً، وفضلاً غامراً جزيلاً، فإن إنعام الله على العبد بهدايته لحبه وتعريفه هذا المذاق الجميل الفريد، الذي لا نظير له في مذاقات الحب كلها ولا شبيه.. هو إنعام هائل عظيم.. وفضل غامر جزيل.
وإذا كان حب الله لعبد من عبيده امراً فوق التعبير أن يصفه، فإن حب العبد لربه امر قلما استطاعت العبارة أن تصوره إلا في فلتات قليلة من كلام المحبين.. وهذا الباب الذي تفوق فيه الواصلون من رجال التصوف الصادقين - وهم قليل من بين ذلك الحشد الذي يلبس مسوح التصوف ويعرف في سجلهم الطويل - ولازالت أبيات رابعة العدوية تنقل إلى حسي مذاقها الصادق لهذا الحب الفريد وهي تقول :
فليتك تحلوا والحياة مريرة وليتك ترضى والأَنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب