ألا إنه مقام يحتاج أَولاً إلى مد من الله. ويحتاج ثانياً إلى تثبيت من الله. ليملك الإنسان نفسه، فيثبت،
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ ؟.. وما لها لا تتنضر وهي إلى جمال ربها تنظر ؟ إن الإنسان لينظر إلى شيء من صنع الله في الأرض. من طلعة بهية، أَو زهرة ندية، أَو جناح رفاف، أَو روح نبيل، أَو فعل جميل. فإذا السعادة تفيض من قلبه على ملامحه، فيبدوا فيها الوضاءة والنضارة. فكيف بها حين تنظر إلى جمال الكمال. مطلقاً من كل ما في الوجود من شواغل عن السعادة بالجمال ؟ فما تبلغ الكينونة الإنسانية ذلك المقام، إلا وقد خلصت من كل شائبة تصدرها عن بلوغ ذلك المرتقى الذي يعز على الخيال ! كل شائبة لا فيما حولها فقط، ولكن فيها هي ذاتها من دواعي النقص والحاجة إلى شيء ما سوى النظر إلى الله.. فأَما كيف تنظر ؟ وبأَي جارحة تنظر ؟ وبأَي وسيلة تنظر ؟.. فذلك حديث لا يخطر على قلب يمسه طائف من الفرح الذي يطلقه النص القرآني، في القلب المؤمن، والسعادة التي يفيضها على الروح، والتشوف والتطلع والانطلاق !.
فما بال أناس يحرمون أَرواحهم أَن تعانق هذا النور الفائض بالفرح والسعادة ؟ ويشغلونها بالجدل حول مطلق، لا تدركه العقول المقيدة بمألوفات العقل ومقرراته ؟ !.
إن ارتقاء الكينونة الإنسانية وانطلاقها من قيود هذه الكينونة الأَرضية المحدودة هو فقط محط الرجاء في التقائها بالحقيقة المطلقة يوم ذاك. وقبل هذا الانطلاق سيعز عليها أَن تتصور - مجرد تصور - كيف يكون ذاك اللقاء.
إِذن فقد كان جدلا ضائعاً ذلك الجدل الطويل المديد الذي شغل المعتزلة أنفسهم ومعارضيهم من أَهل السنة والمتكلمين حول حقيقة النظر والرؤية في ذلك المقام.....


الصفحة التالية
Icon