وكل ما يرد في القرآن وفي الحديث من هذه الصور والمشاهد، إنما هو تقريب للحقائق التي لا يملك البشر إدراكها بغير أَن توضع لهم في تعبير يدركونه، وفي صورة يتصورونها. ومنه هذا التصوير لجانب من حقيقة القدرة المطلقة، التي لا تتقيد بشكل، ولا تتحيز في حيز، ولا تتحدد بحدود.
قال الشيخ عبد الله الدويش تعليقاً على كلام سيد السابق : أقول ظاهر هذا الكلام أن هذا ضرب مثل وليس ظاهره في القبض حقيقة، وهذا تعطيل لهذه الصفة مخالف لقول أَهل السنة والجماعة فإِنهم يثبتون صفة القبض واليدين والأَصابع حقيقة على ما يليق بجلال الله وعظمته، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، على حد قوله تعالى ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ؟ ﴾ وكلامه هذا يشبه قول الزمخشري في كشافه... إلخ.
الموضع الثاني : فقد قال في تفسير قوله تعالى ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ( البقرة آية ٢٤٥ ) : وإذا كان الموت والحياة بيد الله، والحياة لا تذهب بالقتال إذا قدر الله لها البقاء، فكذلك المال لا يذهب بالإنفاق. إنما هو قرض حسن لله، مضمون عنده، يضاعفه أضعافاً كثيرة. يضاعفه في الدنيا مالاً وبركة وسعادة وراحة، ويضاعفه في الآخرة نعيماً ومتاعاً، ورضى وقربى من الله. ومراد الأمر في الغنى والفقر إلى الله، لا إلى حرص وبخل، ولا إلى بذل وإنفاق :﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾.. والمرجع إليه سبحانه في نهاية المطاف. فأين يكون المال والناس أنفسهم راجعون بقضهم وقضيضهم إلى الله ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾..


الصفحة التالية
Icon