جعل الله كل القرآن محكمًا في مواضع أخر. فقال: ﴿الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ وجعله كله متشابهًا فقال الله: ﴿نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً﴾. قيل: حيث جعل الكل محكمًا أراد أن الكل حق ليس فيه عبث ولا هزل، وحيث جعل الكل متشابهًا أراد أن بعضه يشبه بعضًا في الحق والصدق وفي الحسن، وجعل ها هنا بعضه محكمًا وبعضه متشابهًا). انتهى.
وقال ابن زيد في قوله تعالى: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ قال: هن جماع الكتاب.
وقال ابن كثير: أي: أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه.
وقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾، أي: ميل عن الهدى: ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ قال ابن جريج: هم المنافقون. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قرأ رسول الله - ﷺ -: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ إلى قوله: ﴿أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ فقال: «إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم». رواه أحمد وفي رواية البخاري: «فإذا
رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». وقال ابن إسحاق عن محمد بن جعفر: ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، أي: ما تحرف منه وتصرف؛ ليصدقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا، ليكون لهم حجة على ما قالوا وشبهة.
وقال السدي: ﴿ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ﴾ قال: إرادة الشرك. وقال مجاهد: الشبهات بها أَهلكوا وأُهلكوا. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع رسول الله - ﷺ - قومًا يتدارءون فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، إنما أنزل كتاب الله ليصدق بعضه بعضًا، فلا تكذبوا بعضه