الجاعلين له شركاء من خلقه، وهم مع ذلك معترفون أن شركاءه من الأصنام والأنداد عبيد له ملك له، كما كانوا يقولون: لبيّك لا شريك لك، إلاَّ شريكًا هو لك، تملكه وما ملك؛ فقال تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ﴾، أي: تشهدونه وتفهمونه، ﴿مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء﴾، أي: أيرضى أحدكم أن يكون عبده شريكًا له في ماله؟ فهو وهو فيه على السواء.... ﴿تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾، أي: تخافون أن يقاسموكم الأموال. قال أبو مجلز: إن مملوكك لا يخاف أن يقاسمك مالك وليس له، كذلك الله
لا شريك له، والمعنى: أن أحدكم يأنف من ذلك فكيف تجعلون لله الأنداد من خلقه؟
﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، قال البغوي: ينظرون إلى هذه الدلائل بعقولهم. ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أشركوا بالله، ﴿أهواءهم﴾ في الشرك، ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ جهلاً بما كتب عليهم، ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾، أي: أضله الله، ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ مانعين يمنعونهم من عذاب الله عز وجل. وقوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حنيفًا﴾، أي: أخلص دينك لله حنيفًا، مائلاً إلى التوحيد مستقيمًا عليه.
قال ابن زيد في قوله: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ قال: الإسلام مُذ خلقهم الله من آدم جميعًا يقرّون بذلك، وقرأ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا﴾، قال: فهذا قول الله: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ﴾ بعد. وعن يزيد بن أبي مريم قال: (مرّ عمر بمعاذ بن جبل فقال: ما قوام هذه الأمة؟ قال معاذ: ثلاث وهنّ المنجيات: الإخلاص وهو: الفطرة، ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾، والصلاة وهي: الملّة، والطاعة وهي: العصمة. فقال عمر: صدقت).


الصفحة التالية
Icon