قال البغوي: ثم أخبر أنه يقال لهم يوم القيامة: ﴿انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ في الدنيا ﴿انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ﴾، يعني: دخان جهنم إذا ارتفع انشعب وافترق ثلاث فرق، ﴿لَا ظَلِيلٍ﴾ يظلّ من الحرّ ﴿وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ﴾. قال الكلبي: لا يردّ جهنّم عنكم، والمعنى: أنهم إذا استظلوا بذلك الظّل لم يدفع عنهم حرّ اللهب، ﴿إِنَّهَا﴾ يعني: جهنّم ﴿تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾. قال ابن عباس يقول: كالقصر العظيم، ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ﴾، قال البغوي: جمع الأصفر، يعني: لون النار، وقيل: الصفر معناها: السود لأنه جاء في الحديث: «أن شرر نار جهنم أسود كالقير»، والعرب تسمي سود الإبل صفرًا لأنه يشرب سوادها شيء من صفرة.
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ﴾ أي: في القيامة لأن فيها مواقف، ففي بعضها يختصمون ويتكلمون وفي بعضها يختم على أفواههم فلا ينطقون ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾، قال ابن كثير:
وعرصات القيامة حالات، والرب تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة وعن هذه الحالة تارة ليدل على شدة الأهوال والزلازل يومئذٍ ولهذا يقول بعد كل فصل من هذا الكلام: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ وهذه مخاطبة من الخالق تعالى لعباده، يقول لهم: ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ﴾، يعني: أنه جمعهم بقدرته في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر.
وقوله تعالى: ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ تهديد وشديد ووعيد أكيد: أي: إن قدرتم على أن تخلصوا من قبضتي وتنجوا من حكمي فافعلوا، فإنكم لا تقدرون