وقال الشهرستاني(١): نبغ رجل متنمس(٢) بالزهد من سجستان يقال له: أبو عبد الله محمد بن كرّام، قليل العلم، قد قمش(٣) من كل مذهب ضغثاً(٤) وأثبته في كتابه، وَرَوَّجه على أغتام(٥) غزنة وغور وسواد بلاد خراسان، فانتظم ناموسه وصار ذلك مذهباً... قال: وهو أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج وهم مجسِّمة. اهـ(٦)
الأدلة على كرّامية المؤلِّف:
إنَّ من يقرأ كتاب ((المباني لنظم المعاني)) لا يجد ذكراً لمسألة من المسائل العقدية التي تميّز الكرّامية عن غيرها، بل قد يجد عكس ذلك، أعني أنّه سيجد عبارات وأبحاثاً يظنّ قارؤها أنَّ كاتبها من أهل السنة والجماعة، وذلك في مثل دفاعه عن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم، وكتسفيهه وإبطاله آراء بعض الفرق التي حاولت بل وطعنت في الصحابة رضي الله عنهم(٧).
ولقائل أن يقول: إذن كيف حكمت على المؤلِّف بأنّه كرّاميّ.
فالجواب: إنَّ كرّاميّة الرجل تظهر لي من ثلاثة جوانب:
الجانب الأوَّل: من خلال كتابه؛ وذلك في:
١- اعتماده الكبير والقوي على شيخه ابن الهيصم، الذي هو من أعمدة المذهب الكرّامي كما سيأتي.
٢- الترضي على شيخه.
وهنا قد يقول قائل: إنَّ المؤلِّف استخدم صيغة الترضي مع الصحابة رضي الله عنهم أيضاً، فأقول:

(١) - محمد بن عبد الكريم أبو الفتح (٤٦٧-٥٤٨هـ) شافعي متكلم. انظر: سير أعلام النبلاء: ٢٠/٢٨٦.
(٢) - التنميس: التلبيس. القاموس (نمس).
(٣) - القمش: الرديئ من كل شيء، والتقميش: جمع الشيء من ههنا وههنا. انظر: تاج العروس (قمش).
(٤) - الضغث: الباطل. القاموس.
(٥) - الغُتمة: العجمة في المنطق، والأغتم: الأعجم. القاموس والتاج (غتم).
(٦) - الملل والنحل: ٣٢-٣٣.
(٧) - كما في الصفحات: ٨٥، ١٨٤.


الصفحة التالية
Icon