والحقيقة أن السرد القرآني لا ينسحب فقط على المجالات التعبيرية المتعلقة بالشخصية ولا المتعلقة بمكونات السرد وإنما يتجاوزها إلى مجال اللفظية القرآنية، الشيء الذي جعلنا نكتشف بعض الأنماط السردية التي أسميناها بالسرد الإيقاعي، فالإنشادي فالدائري فالإضماري، فالمشارك. وهو الأمر الذي نعالجه في الفصل الثالث المعنون بـ: مستويات السرد في القصة القرآنية. فكان حديثاً عن أنواع سردية اجتثثناها من آي القرآن العظيم، قمنا بمدارستها وفق منهج في القراءة قائم بذاته يستمد أصوله من مرجعية تجمع بين التراث والحداثة بغية إحداث منهج تكاملي، هذا المنهج القرآني المبني على المنقول والاجتهادي، نعني به القراءة التأويلية. ومن هنا تغتدي هذه الدراسة مشتملة على نظام لساني قائم على نمط من المفرداتية الذي يحيل القراءة في النهاية إلى فعل لساني لا غير.
للإشارة فإننا عند تناولنا للسردية القرآنية وعلاقتها ببناء الشخصية فضلنا أن نسمي الأشياء بأسمائها كما تأتت للنقاد المشتغلين في حقل القصة والرواية، من ذلك إطلاق مصطلح البطل على الفاعل المحوري في القصة القرآنية، وقد ينسحب ذلك على نبي من الأنبياء.
وليس مقصدنا من هذه التسمية أن نسوي بين نبي مبعوث ومجتبى ومحروس بعناية الخالق، وبين شخص ما من البشر، وظف فنياً ليحوز بطولة بطل في أي منزع نثري، وإنما غرضنا أن نفهم الدور العظيم الذي يقوم به الرسول في القصة القرآنية. فإطلاقنا للبطل- على نبي من الأنبياء- لا يعدو أن يكون مجرد تسمية شكلية عرضية.
وربما استطاع هذا المسعى (نعني به هذا الكتاب) أن يلقي مزيداً من الضياء على ما نتبناه منهجاً للدراسات القرآنية، وأن يقودنا نحو تأصيل مضمار للقراءة خاصة بمقاربة النص القرآني.
وبعملنا هذا نكون قد وضعنا كتاب الله موضعه العلمي، وفتحنا الباب واسعاً في وجه المسكونين بهاجس البحث والتنقيب في المتن القرآني، والعناية به في الدراسات الأكادمية الجادة.


الصفحة التالية
Icon