أ) ـ شخصية الرسول: يُظهرها السرد من بداية القصة أي من: "ن والقلم... إلى... المكذبين". وتتجسد بوضوح في الضمائر المستخدمة في هذه الفقرة (ما أنت... ربك... لك.. إنك.. فستبصر... ربك... فلا تطع.. لو تدهن.. ولا تطع)..
من خلال هذه الجمل نكتشف أن الرسول ﷺ كان يعاني إحباطاً نفسياً حاداً من جراء تصرفات المشركين معه وخاصة الوليد..
ولتصوير هذه المعاناة، نورد بعض الشواهد التي يمكنها الكشف عن معنويات الرسول الهابطة حيث: "روي أن رسول الله ﷺ قال: "ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب"... وذلك أنهم تجرؤوا عليه، حتى نثر بعضهم التراب على رأسه"(١). ولم يكتفوا بهذا، بل تمادوا حتى بلغت بهم الجرأة أن رمَوا الحوايا على جسده وهو يصلي. "فعن ابن مسعود قال: بينما رسول الله يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابه جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس. فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا ـ جزور بني فلان ـ فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم، فأخذه، فلما سجد النبي ﷺ وضعه بين كتفيه، فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض"(٢).
ينضاف إلى ذلك آيات كثيرة مبثوثة هنا وهناك، تشير إلى مظاهر السخرية والاستهزاء اللتين كان يلاقيهما الرسول(٣)صلى الله عليه وسلم من قبل قومه، الأمر الذي جعل الساردَ يُجنِّدُ طائفة من الأساليب التي من شأنها رفع عزيمة الرسول وتقوية جنانه ومؤزراته..
إن ما يلاحظ على هذه الفقرة، أنها تتقاطع مع نظرية السرد الجديدة في نقطة واحدة. حيث ألفيناها تقوم على مخاطبة الشخصية بصيغة "أنت" كما هو واضح في: ما أنت... إن ربك.

(١) محمد الغزلي ـ فقه السيرة ـ مكتبة رحاب الجزائر ـ ١٩٨٨ ـ ط٢ ـ ص ١٢٣.
(٢) نفسه ص ١٢٣ ـ ١٢٤.
(٣) نعت بكثير من الصفات من بينها: مجنون، كاهن، مفتر، ساحر، وغيرها مما رصده القرآن الكريم.


الصفحة التالية
Icon