إن هذه التقنية المفرداتية (ربك) من شأنها أن تَبني الشخصية من جديد. فبعد أن كان مهزوزاً هابط العزيمة منخور القوى أصبح بهذه الإضافة ـ (السرد الباني) ذا عزيمة قوية تغيرت على ضوئها كل مشاعره فَبُنِيَ بناء معاداً.
إن هذه الإضافة التي اغتدى فيها الرسول ﷺ شخصية أخرى مرجعنا فيها إلى الألفاظ الموحية لأنها، "تشبه الأشخاص تماماً، والحق أن التشخيص عملية نفسية صرف، فنحن الذين نتمثل في اللفظ المهابة أو الدماثة"(١).
وعسى أن تكون الغاية من اعتبار الرسول شخصية تتمتع بخاصية الحضور في حركة السردية القرآنية، هي ما تشي به هذه الفقرة في كونها وظيفة الشخصية من نمط النبوة. وهذا لم يأتِ عرضاً وإنما كان بوعي وقصدية إفهامية، الغرض منها، إعطاء مرجعية دينية للقصة وإضفاء الصّفة النبوية على النسيج السردي.
ب ـ شخصية الوليد: ما يلفت الانتباه، هو أن هذه الشخصية يعرضها السرد متوحشة مفعمة بروح التسلط والتجبر.
تظهر في الفقرة الآتية: ﴿ وَلاَ تُطِعْ كُلَ حَلاَّفٍ مَهِين هَمَّازٍ مَشَّاءٍ مَناعِ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثيم عُتُلٍّ بَعدَ ذلكَ زَنيمٍ ﴾. من خلال هذه الصفات يتبين أنها كانت شخصية متحرشة بالرسول، متسلطة عليه، الأمر الذي أدى بالرّب إلى تعريتها من كل الجوانب.
غير أن الاعتماد على ذكر صفات الشخصية دون الإشارة إلى اسمها، يجعلنا نعلن أن النص القرآني قد يتجاوز في بعض طروحه مبدأ تقديس الشخصية ويعوِّض هيكلها بصفاتها وأفعالها سلباً وإيجاباً.

(١) عز الدين إسماعيل: الأسس الجمالية في النقد العربي، ص ٢٠٦.


الصفحة التالية
Icon