هذا السلوك الفني، يمثل أحد تمظهرات الرواية الجديدة الآن. حيث "ذهب بعض كتاب الرواية الجديدة في تعاملهم مع الشخصية مذاهب جديدة وأحياناً غريبة حيث أشاروا، إلى شخصياتهم الروائية بحروف فقط كما فعل ألان روب غرييه في روايته (الغيرة) حين سمى شخصيته الرئيسية باسم "P" "A" واستعمل كلود سيمون التقنية نفسها في روايته "معركة فارسال" حيث أطلق حرف "O" كاسم لشخصيتين مختلفتين"(١). على حين نجد النص القرآني بعيداً عن هذه الترقيمية التي ربما لا تفضي لأي شيء، معوضاً إياها ببديل من شأنه تقوية عمل الشخصية في مجالي الإيجابية والسلبية.
لقد لاحظنا كيف أن الرّب وقف إلى جانب نبيّه، لما كانت عزيمته مثبَّطة وذلك باستخدام ضمير المخاطب "ربك".
غير أن الموقف هنا ـ تغير، حيث الوليد بجاهه وماله وسلطانه وشراسة لسانه يتسلّط على النبي ويؤثر عليه.
ولما كان الموقف متغيراً استلزم أن يتغير معه "ضمير المخاطب" ليصبح نوناً، وأيّ نون! إنها نون العظمة!
يظهر هذا في موطنين. ﴿ إذا تتلى عليه آياتنا ﴾ و«سَنَسِمه على الخُرطُوم».
غير أن هذا التغير في توظيف الضمير، مرجعه إلى التغير في المضمون.
ولو تأملنا ضمير "نا" المستخدم في الموطنين السابقين لاكتشفنا تأثير الوليد الشديد على الرسول ﷺ الأمر الذي جعل السَّارد يحيل نفسه شخصية في مكان الرسول، تواجه الوليد بتجاوز لقواه وجبروته.
ولعل هذا التحول في طبيعة المسار العمودي، يعود إلى التلون في توظيف الشخصية، بحيث تكون فيه مؤدية لدورها بصورة عادية [مثلاً: شخصية الرسول هنا]، وفجأة يلغيها السارد، ويحل محلها دون شعور منها، وهي تقنية فريدة كما ترى.
ج) ـ منزلة الشخصيات:

(١) سعيدي محمد: حركية الشخصية في الرواية الجديدة ـ تجليات الحداثة ـ ع٣ ـ ص ١٥٦.


الصفحة التالية
Icon