غير أن هذا مرتبط بالغرض الأسمى الذي يستشرفه النص القرآني من وراء هذا البناء الذي هو فني تارة، يمليه أسلوب القرآن. ومنطقي تفرضه خصومة الوليد للرسول، الأمر الذي يجعل الوقوف إلى جانب الرسول ﷺ أمراً طبيعياً ومرعياً تفرضه الدعوة التي جاء من أجلها. فإذن الغرض الأسمى من خصيصة البناء والهدم هذه، عقائدية بالدرجة الأولى.
إن الهدم العنيف والشنيع لشخصية الوليد ما هو –في جوهره- إلا تحطيم وهدم لعقيدة جاهلية زهت حيناً من الدهر. والبناء المحكم لشخصية الرسول ما هو إلا ترسيخ وبناء لعقيدة جديدة تزهو الدهر كله.
فالهدم كانت نتيجته البناء، وبهذه الصورة. قامت العقيدة الإسلامية، وقيامها إنما كان يتنامى تدريجياً، وهو على هذا النحو، كان يوجه معاول الهدم نحو العقيدة الجاهلية، عقيدة الوليد بن المغيرة المخزومي.
وهكذا فإن عمق التقابلات الثنائية أو العلاقات التقابلية يتلخَّص في كون البنية الجمالية لقصة الوليد، تتمثل في جدلية الموت (ثناطوس) و الحياة (إيروس)، فالموت لعقيدة الوليد المنبثقة عن إرث الجاهلية. والحياة لعقيدة محمد الناشئة عن الخطاب الإلهي.
ومن شأن هذه العلاقة الثنائية السعي إلى اكتشاف المعنى الباطني للغة في دلالتها الإيحائية [مفرداتها البانية والمهدمة للعقيدتين] من حيث إن النص مؤسس من علاقات غيابية وأخرى حضورية "فالعلاقات الغيابية علاقات معنى وترميز.. أما العلاقات الحضورية فهي علاقات تشكيل وبناء"((١)).
وما يمكن ملاحظته من خلال هذا الشكل، هو أن أقوى العلاقات الناشئة عن تعداد هذه الصفات في قصة الوليد هذه، إنما تقع بين الله (أ) والرسول (ب) بالرغم من أن الصفات كانت سبعاً. وعلة ذلك مرجعها إلى العلاقة الحميمة والرسالاتية التي تربط الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. لأنها تنطوي على رعاية كبيرة من العطف والحنان المبثوثتين خلال الصفات السبع.

(١) تزفيطان تودوروف: الشعرية ص٣١.


الصفحة التالية
Icon