وفي هذا السياق ألفينا أنجلز، يعتبر الزمن مجرد أشياء تستقر في الذهن، ووجودها مرتبط بوجود المادة بحيث يقول "إن شكلي وجود المادة (المكان والزمان) لا وجود لهما بدون المادة، إنهما مجرد مفهومين فارغين أو تجريدات لا وجود لها إلا في أذهاننا"((١)).
فالزمن عنده مرتبط بالحركة التي نشأت نتيجة العلاقة الجدلية التي تربطهما، بمعنى أن الحركة –من منظور الماديين- هي المولّدة والمفعّلة للزمن.
ونجده يدعم رأيه بحركة الأرض إذ يقول "يوم فيوم، مدة زمنية ما كان لها أن تحدث لولا دوران الأرض حول نفسها، بدون هذا الدوران (الحركة) يستحيل وجود اليوم، واليوم يعبّر عن شكل من أشكال الأرض (المادة)"((٢)).
وسواء عليهم أربطوه بالمادة أم لم يربطوه، فالزمن مخلوق أوجده الخالق، متحسس، يسري في الفرد وفي الكون. وسريانه إنما ينجلي لكل نفس مؤمنة تؤمن أن الزمنية تنقسم إلى ضربين.
ضرب أنت تعرفه وتتحسسه، وهو الممارس في الحياة اليومية به تتحد مصائر الناس في حوائجهم وأيامهم ومقاصدهم وغيرها. يسمى عادة هذا الضرب من الزمنية بالزمن النحوي. وضرب أنت تجهله، وهو موجود ولا يقع على عاتق النحو، بل يفهم من خلال العرض، كآية الكرسي مثلاً ﴿ اللهُ لا إِلهَ إلا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولاَ نَوْمٌ ﴾ ((٣)) هذا المقطع يخضع للزمن. إلا أنه زمن مطلق مفتوح انسيابي لا تحده حدود ولا تُتّصد له أبواب.
غير أن نظرة الماديين والمثاليين للزمن تبقى محصورة في إطارها الفلسفي الأيديولوجي القائم على تثمينية الزمن، الأمر الذي يجعلها لا ترقى إلى ملامسة الرؤية النقدية التي تنهض على تجاوز الحدود المعطياتية لماهية الزمن.

(١) نفسها ص ١٦.
(٢) نفسها ص١٦.
(٣) الآية ٢٥٥ سورة البقرة. *يمكن العودة إلى محمد أركون: قراءات القرآن ص٣٤.


الصفحة التالية
Icon