إن النظرة الوجودية للزمن مستمدة من الزمن نفسه. ذلك بأن ذكر الزمن في أي مجال وبخاصة في مجال السردية الأدبية لا يتحدد إلا وفق المضمون الذي سيق فيه، فهو يعبر عن نفسه انطلاقاً من توظيفيته في مجال الكتابة أو في الخطاب الشفهي.
وفي هذا التوجه يقول بنفنيست "يمكن أن نعتقد بأن الزمنية هي إطار فطري في الفكر، فهي تتولد في الحقيقة خلال عملية التلفظ وبالتلفيظ يتأسس الحاضر، ومن الحاضر يتولّد الزمن"((١)). إن القراءة السيميائية لخطاب النص القرآني- وبخاصة ما يتصل بمكونه الزمني- تحيلنا على زمن يتمظهر بتمظهرات فلسفية وفنية، ودينية ونحوية وغيبية.
ولعل النص القرآني يكون قد أثار موضوع الزمنية منذ لحظة التواصلية الأولى المجسدة في آية (إقرأ) التي هي زمن مطلق مفتوح على التوالد، مما أكسب المتن القرآني شرعية التأصيل والتأسيس.
ففي وصفه للخالق مثلاً "بأنه (الأول والآخر) فإن الأولية المقصودة ليست أولية زمانية فالله ليس عنده (قبل وبعد) فالزمن كله مخلوق مع الكون والله كائن قبل مخلوقاته وباق بعد فنائها، فهو موجود قبل الزمان وبعده"((٢)).
وعسانا –في هذه النظرة القرآنية- أن نتحسس رؤية جديدة لم نعهدها من قبل، فهي ليست زمنية نحوية جامدة بقدر ما هي زمنية أعمق مما نتصور، لأن الله يتحكم في الزمن بطريقة المدّ والجزر يقبضه ويبسطه، وهو الشيء الذي حدث لعزير في قوله تعالى ﴿ فَأَمَاتَهُ الله مائةَ عامٍ ثُمَّ بَعثَهُ، قَالَ كَمْ لَبِثْتَ؟ قَالَ: لَبِثْتُ يوْمَاً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. قَالَ: بَلْ لَبِثْتَ مائِةَ عَامٍ. فَانْظُرْ إِلى طعامِكَ وشَرَابِكَ لَمْ يَتسنَّهْ، وَانْظُرْ إِلى حَمِارِكَ ﴾ ((٣)).
(٢) مصطفى محمود: من أسرار القرآن –دار العودة بيروت ص٢١.
(٣) الآية ٢٥٩ سورة البقرة.