فشرابه لم يتغير وطعامه لم يتعفن، لكن حماره (رآه ميتاً وعظامه بيض تلوح)((١)).
فهو في لحظة واحدة، بسط الزمن في موضع وقبضه في آخر. ومن هنا تأتي صعوبة استكناه زمنية القرآن.
ولذلك كان الأحرى أن ننسب غموضية الزمن إلى الرحابة التي سخرها له النص القرآني، لا إلى الشعر الحرّ أو الرواية الجديدة.
إن الزمن –في التوظيف القرآني- ظاهرة قائمة بذاتها، تجاوزت إفهامية الأدباء واستقرائية الفلاسفة، فهو في تعامله مع الأفعال –بمستوياتها الثلاثة- لا يخضعها لزمنيتها النحوية بل يتجاوزها إلى مستوى دلالي أوسع، يتمثل في إعادة خلق وتشكيل القصدية الزمنية. فمثلاً دلالة الماضي تأخذ منعطفاً انعكاسياً يحيلها في نهاية الأمر إلى مستقبل.
ولعل في الآيات المتعلقة بوصف يوم القيامة كثيراً مما نبتغي.
من ذلك قوله ﴿ وَنُفِخَ في الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُم جَميْعاً ﴾ ﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً ﴾ ﴿ وَبُرزَتِ الجحِيم للْغَاوِيَن ﴾ ﴿ أَتى أمرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ ﴿ وجَاءَ رَبُّكَ وَالملْكُ صَفّاً صفّاً ﴾.
وبصورة عكسية نجد المستقبل يحال إلى ماضي كما في قوله ﴿ وَزُلزِلُوا حَتّى يقول الرَّسُولُ والذِينَ آَمنُوا مَعَه مَتى نَصْرُ اللهِ ﴾.
إن إشكالية تداخل الأزمنة ترتبط بالنص من حيث صدق دلالته، بغض النظر عن العرضية الزمنية فيه.
ولعل هذه النظرة –التي أصلها النص القرآني- تبقى- بطروحاتها هذه- تقدم نفسها بوصفها مشروعاً لقراءة أو لمقاربة نقدية، تكون إرهاصاتها الأولى منطلقة من نظرية القرآن. غير أن الزمنية القرآنية تتجاوز حدود المستويات الثلاثة للأفعال إلى تخلخل في التقويم اليومي الذي ينشأ عنه اضطراب في المفهوماتية المتعلقة باليوم والشهر والسنة.