من ذلك مثلاً، صعود الملائكة وجبريل يوم القيامة إلى البارئ في يوم قياسه مخالف لعرف قياسنا لليوم. ففي قوله ﴿ تعرُجُ الملائكةُ والرُّوحُ إلَيْهِ فِي يوم كَانَ مِقْدارُهُ ألفَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾(١). خروج عن انحصارية اليوم الدنيوي في أربع وعشرين ساعة.
ثم إن هذا اليوم نفسه يتحول –بمقتضى تحول في المضمون- إلى قيمة تثمينية جديدة ﴿ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأَرْضِ ثُم يعرُجُ إليهِ في يومٍ كانَ مِقدَارُهُ سنةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾.
لأن يومية الخالق تضبطها زمنية أخرى غير ما عهدنا ﴿ وَإِنَّ يوماً عِندَ رَبُّكَ كألفِ سَنَةٍ مَمّا تَعُدُّونَ ﴾. ﴿ إِنَّهمُ يَرَوْنُهُ بعِيداً، وَنَراهُ قَرِيباً ﴾.
غير أن إحصائية الزمن في تقويمنا الدنياوي لا نجد لها تشابهاً في التقويم الأخروي. من ذلك فالمجرمون حين يبعثون يحتارون في المدة الزمنية التي عاشوها في الدنيا ﴿ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعةُ يُقْسِمُ المُجرِمُونَ مالبثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾(٢).
والحقيقة، إنّ هذا الشعور بصعوبة الزمن وبالقدرة على معرفة خباياه ليس مرتبطاً بعالم الآخرة فقط، بل حتى عالم الدنيا الذي نحيا، نجد الزمن يختلف فيه من مكان إلى مكان، لأن "القانون العلمي يقول لنا الآن: إن كل نظام حركي له تقويم زمني خاص به، فالشمس وكواكبها نظام حركي له زمنيته الخاصة به، فإذا خرج رائد الفضاء من أقطار هذا النظام الحركي وذهب إلى مجموعة نجمية في مجرة أخرى، فإنه يدخل في تقويم زمني مختلف"((٣)).
(٢) ** الآية ٥ السجدة /الآية ٤٧ الحج/ الآيتان ٦-٧ المعارج الآية ٥٥ الروم.
(٣) مصطفى محمود: من أسرار القرآن ص٢٤.