غير أنه –وبالرغم من توظيفه التقليدي- ينعطف انعطافاً متجدداً حين يتحقق فيه البعد المستقبلي. لأن الانتقام من الوليد –في حقيقته- انتقام من كل من تسوِّل له نفسه التعرض لدعوة محمد، أو الوقوف ضدها لمنع امتدادها الدعوي عبر هذه السنين المتلاحقة.
وبهذه الصورة يتخذ الانتقام من الوليد صفة الاستمرارية الزمنية. أو تبقى صفة الانتقام تمثل زمناً عقابياً يتربّص بالناس الدوائر، وبخاصة أولئك الذين يسعون لعرقلة الدعوة التي جاء بها محمد.
٤-الزمن الساخر:
إننا نتمثله في ذلك الانتقال الإلهي من الوليد، والذي تكشف لنا من خلال آية ﴿ سَنَسِمُهُ على الخُرطُومِ ﴾.
فالوليد بن المغيرة، تلك الشخصية التي انتقم منها السارد بطريقة تهكمية ساخرة. إذ كواه على أنفه إمعاناً في السخرية اللاذعة.
ولعل اختيار المكان "الأنف" من شأنه أن ينمّ عن خلفية ماضية تجسد أبوة العرف وسلطته. لأن الأنف رمز للنخوة والسيادة التي يعتز بها كل عربي، وبخاصة رجالات العصر الجاهلي. ويزداد الأمر إثارة، إذا علمنا أن القرآن لما نزل تمنى البعض لو كان نزوله على الوليد. حيث الغنى والجاه قال تعالى
﴿ وقَالُوا لَوْلا نُزِلَ هَذا القُرآن علَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ ((١)).
فالرجل العظيم هنا قيل هو: "الوليد بن المغيرة بمكة، أو عروة بن مسعود الثقفي بالطائف"((٢)) فالزمن الساخر –إذن- يأتينا من السخرية الخالدة التي نبقى نرددها.
فخرطوم الوليد دلالة زمنية لا تنقطع ولا تتوقف، تبقى خالدة مستمرة، نتمثلها شبكة دلالية تنشد سخرية القرآن من الوليد. وهذا التمثل ألفيناه يمنح خرطوم الوليد مدى زمنياً طويلاً لا ينتهي إلا بانتهاء الزمن نفسه.
(٢) السيوطي: تفسير الجلالين ص ٦٤٩.