ومن هنا يمكن القول: إن منظومة القرآن القصصية في صورتها السردية، تصدر عن أدبية خطابية تفعِّل الزمن وتنقله عن عالمه القار الذي صنعه له النحويون، ليغتدي فعلاً إجرائياً ذا قيمة إطلاقية لا تستنفذ، بل تظل فعالة متوهِّجة، من شأنها تثمين النص والوصول به إلى درجة تتجاوز حدود الفكر الإنساني –التي إن توصل إلى بعض زمنيتها –لتحال إلى زمنية إعجازية مقصودة لذاتها(١).
سادساً: المكوِّن التصويري أو (تقنية التصوير):
إن الأديب –الذي اعتبر التصوير قاعدة عامة تنسحب على النص القرآني –هو سيد قطب حيث قال: "حينما نقول إن التصوير هو القاعدة الأساسية في أسلوب القرآن وأن التخييل والتجسيم هما الظاهرتان البارزتان في هذا التصوير، لا نكون قد بلغنا المنى في بيان الخصائص القرآنية بصفة عامة، ولا خصائص التصوير القرآني بصفة خاصة. وراء هذا وذاك، آفاق أخرى يبلغ إليها النسق القرآني وبها تقويمه الصحيح من ناحية الأداء الفني"((٢)).
ويقصد بالتصوير ها هنا، هو ذلك المشهد أو تلك الصورة التي تكون ماثلة أمامك بواسطة الأسلوب القرآني، فكأنك تراها وتعيش معها، أو تتحرك فيك، وتارة تكون طرفاً فيها لمّا يتعلق الأمر بتوجيهية الخطاب إلى أمة القرآن التي أنت منها.
والشيق أن هذه الصورة تتحرك وتنشط طالما رمنا إلى قراءة قرآنية متأنية.
إن التصوير –في قصة الوليد- يتبدى في صورتين مختلفتين خارجياً مؤتلفتين داخلياً، تشكلان في نهاية الأمر صورة واحدة.
١-الصورة الأولى:
إنها ذلك الرجل، بمواصفاته السلوكية والجسمية والعرضية التي أشرنا إليها.

(١) * يمكن العودة إلى قصة عزير، وكيف أماته الله مائة عام، ولم يتعفن طعامه. غير أن حماره تحول إلى عظام نخرة. أنظر هذا الفصل ص.
(٢) ٣ سيد قطب: -التصوير الفني في القرآن- دار الشروق بيروت- القاهرة ط٧ –١٩٨٢- ص٨٧.


الصفحة التالية
Icon